الكاتب : لواء م عبد الله ثابت العرابي الحارثي
التاريخ: ٠٦:٥٦ م-٣١ أغسطس-٢٠٢٥       5280

بقلم: لواء م عبدالله ثابت العرابي الحارثي

لا تزال خطب الجمعة من أهم المنابر المؤثرة في تشكيل الوعي المجتمعي، فهي تلامس القلوب وتوجّه العقول، وتدفع الناس نحو ما ينفعهم في دينهم ودنياهم. وخطبة الجمعة الماضية للشيخ الدكتور عبدالباري الثبيتي – إمام وخطيب المسجد النبوي – جاءت نموذجًا حيًا لهذا الدور الريادي، حيث تناولت موضوعًا دقيقًا قلّما يُطرق على المنابر: الشعور الخفي بالمقارنة وادعاء الأحقية.

لقد أجاد الشيخ وأفاد، حين أوضح أن عبارةً تبدو بسيطةً يرددها بعض الناس: “أنا أفضل منه”، ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي شعور داخلي يعبّر عن اعتراض غير مباشر على عدل الله وحكمته. إذ تنشأ هذه النظرة من وهم المقارنات، حين يتوهم المرء أنه الأجدر بالفضل والأحق بالمكانة، فيزدري ما أنعم الله به على غيره من رزق أو منصب أو وجاهة اجتماعية.

وبيّن فضيلته أن هذا الشعور الخطير ليس إلا اعتراضًا خفيًا على قسمة الله تعالى للأرزاق والمناصب، وكأن صاحبه يستدرك على خالقه – والعياذ بالله – مما يقود إلى الكِبر الخفي الذي يُهلك القلوب ويفسد النفوس. وهنا يكمن الداء الاجتماعي الذي يتجلى في صور الغيرة والحسد والمقارنات المدمّرة، وهو ما يستوجب وقفة صادقة مع النفس.

وقد لامست الخطبة بعمق واقع المجتمع، حتى وجدت صدى واسعًا وانتشارًا كبيرًا عبر المنصات الإعلامية، وهو ما يدلّ على صدق رسالتها وقوة أثرها، ويؤكد على الأهمية المتجددة للمنابر في توعية الناس وتبصيرهم بقضايا حياتهم اليومية وتحدياتهم الواقعية.

إن ما قدّمه الشيخ عبدالباري الثبيتي – جزاه الله خيرًا – يُعد درسًا بليغًا في الرضا بما قسم الله، والتنبه إلى خطورة الكبر الخفي الذي يتسلل للنفس دون أن يشعر به الإنسان. وهي دعوة في الوقت نفسه إلى خطباء الجمعة وأئمة المساجد لبذل مزيد من الجهد في انتقاء موضوعاتهم بما يمس حياة الناس ويعالج همومهم بوعي وبصيرة