

لواء م عبد الله ثابت العرابي الحارثي
بقلم: لواء م. عبد الله ثابت العرابي الحارثي
يقول المثل: "الحياة هي 10% مما يحدث لك، و90% كيف تتفاعل معه"، كثيرون يمرّون بهذه الحكمة مرور الكرام، لكنهم لا يدركون عمقها إلا عند أول أزمة تهزهم، الحقيقة أن العوامل الخارجية ليست غالبًا هي القضية الأكثر أهمية عند مواجهة الشدائد؛ بل فقدان السيطرة على عواطفنا هو ما يحوّل العثرات الصغيرة إلى كوارث كبرى.
عند علماء النفس، هناك ما يُعرف بـ تأثير الحصان البري — وهي حالة تحدث عندما تلدغ الحشرات الأحصنة، فتركض في البراري بلا توقف، ليس لأن لدغة الحشرة مميتة، بل لأن فزعها جعلها تركض حتى الإنهاك، فيكون الإنهاك هو سبب موتها، هنا تصبح المشكلة الحقيقية ليست في الحشرة (المؤثر الخارجي)، بل في رد الفعل المفرط الذي يستهلك طاقة الحياة.
الأمر أشبه بالسفن؛ فالمياه المحيطة بها، مهما كانت عاصفة، لا تستطيع إغراقها إلا إذا تسللت إلى داخلها، كذلك نحن البشر: ما يحدث حولنا لا يغرقنا، لكن حين نسمح له بالتسلل إلى أعماقنا على شكل أفكار سلبية ومخاوف وهواجس، يبدأ الغرق الداخلي.
المؤسف أن بعض الناس يتعاملون مع الحياة وكأنها رحلة وردية بلا منغصات، وعندما يواجهون أول مطب واقعي، ينهارون، بدل أن يروا الأزمة كـ 10% من المشهد الكلي، يجعلونها تبتلع الـ 90% الأخرى المليئة بالنعم والفرص. فتتحول المشكلة من حدث عابر إلى محور الحياة، وتتضاءل كل النعم أمام ظلها.
العلاج يبدأ من الداخل: نعزز إيماننا بالله وبالقضاء والقدر، ثم نتعلم كيف نضبط ردود أفعالنا، ونفرّق بين الحدث وبين الطريقة التي نفسره بها، علينا أن نعي أن المشكلات جزء طبيعي من التجربة الإنسانية، وأن تضخيمها لا يزيدها إلا ثِقلاً، وكما يقول الكاتب جوزيف نجوين في كتابه الجميل لا تصدق كل ما تفكر فيه: ليست كل أفكارك حقائق، فبعضها مجرد انعكاس لمخاوفك لا لواقعك
في نهاية المطاف، ندرك أن هذه الظواهر حاضرة في مختلف مكونات المجتمع، لكنها تتفاقم لدى الشباب نتيجة تنشئة رخوة تعتمد على الآخرين في مواجهة التحديات وحل المشكلات، ومن هنا، يتضح أن ما يهددنا ليس الحشرة ولا الموجة ولا الحدث العابر، بل الركض حتى الإنهاك، أو السماح للمياه بالتسلل إلى داخل السفينة، وحين نعي هذه الحقيقة، نصبح أقدر على الإبحار وسط العواصف بثبات، دون أن نغرق.

