النهار

٠٨:٥٥ ص-٠٧ أغسطس-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٨:٥٥ ص-٠٧ أغسطس-٢٠٢٥       9570

بلقم - عجاب الحنتوشي

في زمنٍ لم يعد يشبه الزمن، أصبحت العلاقات الإنسانية أقرب إلى العقود التجارية منها إلى الروابط الوجدانية. صارت المودة تُقاس بما تُقدم، والوفاء يُوزن بما تُنفق، وكأن العِشرة بين الناس لا تساوي شيئًا إن لم ترفق بفاتورة أو مقابل.

لقد سقطت كثير من القيم النبيلة على قارعة طريق المصالح، وأُفرغت الصداقات من معناها الحقيقي، لتتحول في كثير من الأحيان إلى استثمارٍ مؤقت، تحكمه المعادلات المادية لا المشاعر الصادقة.

فأين ذهب زمن “أعرفه من سنين”؟
أين ذهب الوفاء لأولئك الذين شاركونا الفرح والحزن، ووقفوا إلى جانبنا في أيامٍ لم يكن فيها شيء سوى الكلمة الطيبة والنية البيضاء؟

اليوم، نرى من يتخلّى عن أقرب الناس لأجل مصلحة عابرة. من يبيع عشرة عمر مقابل منصب، أو صفقة، أو حتى مجاملة من طرف أقوى. وكأن القيمة الحقيقية للعلاقات تُقاس بالأموال أو النفوذ لا بالتجارب والمواقف.

المشكلة ليست فقط في التحول المادي، بل في تقبّل هذا التحول وكأنه طبيعي أو حتمي. صار من المعتاد أن تُخون الثقة، وأن يُدار ظهر الصديق لصديقه إن لم يكن “مفيدًا”، وأن يصبح السؤال: “ماذا أستفيد منك؟” هو أول خطوة في أي علاقة، بدلاً من أن تكون: “هل نحن على خير؟ هل نتشابه في القيم؟ هل يمكن أن نُكمل الطريق سويًا؟”

ولكن، هل كل الناس كذلك؟
لا، لحسن الحظ، لا يزال في هذا الزمن من يعرف المعنى الحقيقي للعِشرة، ومن يؤمن أن العلاقات تبنى على الاحترام والتقدير لا على المصالح. هؤلاء هم البقية الصالحة في عالمٍ يتغير بسرعة، وهم الضوء في عتمة هذا الزمن البارد.

الختام:
العِشرة لا تُقاس بالريال، ولا تُشترى ولا تُباع. هي قيمة وجدانية، إنسانية، تنمو بالمواقف، وتُختبر في الضيق، وتُزهر في القلوب النقية. فلنعد الاعتبار لها، ولنعِ أن من يربطنا به الموقف والصدق، أثمن بكثير ممن يربطنا به الحساب والمصلحة.