إيمان حماد الحماد

١٠:٠٤ م-٠١ أغسطس-٢٠٢٥

الكاتب : إيمان حماد الحماد
التاريخ: ١٠:٠٤ م-٠١ أغسطس-٢٠٢٥       10340

بقلم- د.  إيمان حماد الحماد  "بنت النور"

يا سائلاً عن سرّها وضيائها

هذي المدينةُ والحروفُ وِصالُ

أرضُ النبوّةِ لا تُجافِي حرفَها

في ظلّها تتزيّنُ الأقوالُ

والفكرُ يشدو في رحابِ سطورِها

والمجدُ يخطو، والعقولُ تُجَالُ

في المدينة التي تنفست عبق النبوة، وارتوت من ينابيع الوحي، تتهادى الحروف اليوم كما تهادى الوحي بالأمس، وتستوي الصفحات كما استوت القلوب على الهُدى، فالمدينة تقرأ، وتُقرأ، وتُضيء للقارئ درب المعاني كما أضاءت يوماً دروب الهداية.

معرض الكتاب في المدينة المنورة ليس حدثاً عابراً ولا موسماً ثقافياً عاديًا، بل هو عودة الروح إلى الحرف، وانبعاث النور من بين دفتي كتاب. هو تظاهرة علمية وروحية وفكرية، يلتقي فيها العقل مع الذائقة، وتتلاقح فيها الأفكار من كل فج، تحت ظلال مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنها تكتسب بركة المكان وتوقير الزمان.

المدينة تقرأ… لا كما يقرأ الناس، بل تقرأ بعين القلب، وتحتضن الكلمة كما تحتضن الحبيبةُ طفلها، وتستقبل الكتاب كما استقبلت المهاجرين، بحب وإجلال. إنّها تقرأ لتُحيي، لا لتستهلك، وتقرأ لتَهبَ لا لتأخذ، تقرأ لترفَعَ، لا لتتباهى.

كم من قارئ مرّ بجناح في المعرض فاهتزّ قلبه لمقطعٍ شعريّ، أو أُشرِب وجدانه فكرةً فلسفية، أو لامس وجدانه سطرٌ من سِيَر العظماء! وكم من طفلٍ صغير اقتنى كتابًا اليوم، سيصبح غدًا أحد كتّابها أو علمائها أو أدبائها! فالمعارض لا تُقاس بعدد العناوين، بل بالأثر الذي تتركه في الوجدان والوعي والحضارة.

في أروقة المعرض، تسير المدينة كعروسٍ من ورقٍ وضياء، يعبق منها شذا الكتب، وتزهر فيها الأرواح. يجتمع الأدب بالتاريخ، والعلم بالإيمان، والفكر بالفن، في توليفةٍ لا يقدر عليها إلا من تربى في أحضان مدينةٍ صاغت أول دستورٍ للإنسانية.

ويا من تزور معرض المدينة، لا تغادر إلا وقد حملت معك ما يُنبت النور في روحك، ويهديك طريقك، ويمحو عنك صدأ الغفلة، فالكتب ليست أوراقًا، بل أرواح ناطقة، ومصابيح لا تنطفئ.


تغنّت طيبةُ الغرّاءُ بالحرفِ المسافرْ

وسارتْ بيننا تترا ، تُنادي كلَّ شاعرْ


وأشرقتِ العقولُ بنورِ العلمٍ ظاهر

وسارَ الفكرُ في دربٍ به الإيمانُ عاطرْ


هنا " المدينةُ تقرأُ ".. ، فهزَّ الكونَ فجرُ

وبوْحُ الحرفِ في أرجائها لحنٌ وحاضرْ


تبدّلَ حالُ من أتوْا، كأنّ القلبَ سافَرْ

غدت أرواحُهم نَشوى، وعقلُ الحرفِ ناضرْ
 

تخطّى سطرُهُ صمتًا، بثوت الحق جاهَر

وصدق الحرفُ في أصداء الحس سائر