النهار

٠٧:٣٩ م-١٧ يوليو-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٧:٣٩ م-١٧ يوليو-٢٠٢٥       36465

بقلم د.طارق بن حزام

في مشهدٍ لا يكاد يُصدَّق يمشي بعض البشرعلى أربع يلبسون زيّ الكلاب ينبحون ويتباهون بتشبّههم بالحيوان الذي كان يومًارمزًا للوفاءفإذابه اليوم يتحوّل إلى قناع يُخفي وراءه وجوهًا فقدت ملامح الفطرة والكرامة.
عالمٌ غريب لا يُعرف عنه الكثيرأمرٌ مخيف انتشرفي أوروبا
وخاصةفي بريطانيا
حيث يمارس عدد من الرجال حياة الكلاب يرتدون أزياء الكلاب المصنوعةمن
اللاتكس،والجلدولديهم علاقات مع بشرٍ متحمسين لهذه الظاهرةويقولون إنها ليست دائمةولكنهم يريدون فقط أن يعيشوا حياة الكلاب وقد وصل عدد المنخرطين في هذه الظاهرة في بريطانيا وحدها إلى 10 آلاف شخص بحسب صحيفة اليوم السابع المصريةويقول أحد المنتسبين لها في تصريحات لصحيفة ذاغارديان،البريطانية
تعيش الكلاب حياة مريحة بشكل لا يُصدق ليس عليهم أن يذهبواإلى،العمل ولا يتألمون من كل أنواع المشاكل الإنسانيةليس لديهم حتى إحساس بالمستقبل كلبي ينام 16 ساعة في اليوم وأنا محظوظ إذا استطعت تجاوز بضع ساعات دون أن أكون مستيقظًا بسبب القلق ولا أحد يفرك لي بطني عندالطلب وتكشف تقارير صحفية أن أكثر المنضمين إلى هذه الظاهرة هم ممن تعرضوا لمشكلات في طفولتهم كالتنمّر أوانعدام الثقة
بالنفس فبحثوا عن حياةجديدةترتكزعلى الخضوع ووجدوا في تقليد الكلاب مهربًا نفسيًافبدأوا يعيشون حياة الحيوان حرفيًا
وقد بدأت هذه الظاهرةبالانتشار
منذسنوات،قليلة
وهي تتسارع بشكل مقلق والسؤال:هل هي حرية؟أم جنون؟أم ضياع في متاهة قيم مقلوبةلقد تجاوز الأمرحدَّ التقليدأو التمردإنه تحوّل طوعي إلى المسخ حين يفرّ  الإنسان  من ذاته من عقله من روحه ويستبدل كرامته بسلسلةٍ حول العنق ونباحٍ يتنكّر به للحقيقةوالفطرة السليمةالتي خُلق عليها
وأمام هذاالمشهد
المخيف لايمكن للمجتمعات أن تصمت فالأمر لا يتعلق بلباسٍ أو موضةٍ عابرةبل بانهيارداخلي عميق يضرب،جذورالهوية
ويطرح تساؤلًا مرعبًا
ما الذي يدفع  الإنسان  لأن يتنازل عن إنسانيته بهذا الرخص؟ظنًّا منه أن العواء حريةوأن التشبه بالحيوان تقدم
ومن الزاوية الشرعية:
لقد جاء في القرآن والسنة النبوية التحذير الشديد من التشبّه بالحيوانات لاعلى،سبيل،السخريةبل للتنفير من أفعالٍ منكرةٍلاتليق بالإنسان العاقل قال الله تعالى﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾وقال تعالي
﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ﴾
وفي الحديث الشريف نهى النبي ﷺ عن التشبّه بالحيوانات فقال:
ونهاني عن نَقْرَةٍ كنقرة الديك وإقعاءٍ كإقعاء الكلب والتفاتٍ كالتفات الثعلب رواه أحمد وأبو داودوقال عليه الصلاة والسلام:ليس لنا مثل السوءالذي يعود في هبته كالكلب يعود في قيئه”صحيح البخاري
فالتشبيه بالحيوان في النصوص جاء للتنفير من الأفعال لا لتبرير التشبه بها أو اتخاذها نمط حياة!ومن،الزاويةالتربوية
في أعماق كل إنسان طفل يبحث عن إجابةمن أنا؟وما الذي،يجعلني،
مختلفًا؟فإذا لم يجد هذه،الإجابةفي
أحضان،تربيةٍسوية
احتضنه الوهم وأعطاه هويةً زائفة تُشبع غروره وتخدّر حاجته للانتماءحتى لو كانت على هيئة كلبٍ يجرّ ذيله ويتلقى الأوامر!
ظاهرة تشبّه الشباب بالكلاب ما هي إلا ثمرة تربية غائبة أو مشوهةأومتساهلة
أطلقت للطفل العنان تحت شعار “الحرية”فلم تزرع فيه القيم ولم تغرس فيه الاعتزاز بالذات ولم توجهه لفهم حدود الحرية ولا معنى الكرامة
حين يُربّى الأبناء على أن كل شيء مباح باسم “التعبير عن الذات فإنهم سيكسرون كل الحواجزحتى تلك التي تحفظ آدميتهم وحين يغيب التوجيه ويحلّ محله الترف أو الإهمال تتحول السلوكيات،الشاذة
إلى صرخات وجود
ورسائل احتجاج ووسائل لجذب الانتباه ولو كانت مشينةوحين لا يُفهم الطفل الفرق بين الكرامةوالانقيادوبين الحرية والانحطاط فإنه سيظن أن تقليد الكلاب،نوعٌ،من
التميّزأوالترندوكأنه يقولو:وعِش،كلبًا
تعِش سعيدًا
فالسعدفي طالع البهائم.
التربيةيا كرام بناءٌ للعقل والروح والذوق والهويةوما لم تقم الأسرة بدورها في غرس هذه القيم منذ الصغرفإن الهوية الكلبيةوالقططية
وغيرهامماقديأتي لاحقًاستكون ثمرة هذا الفراغ المريع.
إن البشرية اليوم بأمسّ الحاجة إلى صوت الشريعةوإلى بعث الروح في القيم المنسيةفالله تعالى ما نهانا عن شيء إلا لحكمةوما أمرنا إلا بما يصلحناويعيد لنا إنسانيتناينبغي إعادة بناء الثقةبالنفس،لأن التشبه بالحيوانات هوذروةالانهزامية
والاعتزاز بالهوية والقيم هو أصل الثبات والكرامة.