إيمان حماد الحماد

١٠:٣٢ م-١٣ يوليو-٢٠٢٥

الكاتب : إيمان حماد الحماد
التاريخ: ١٠:٣٢ م-١٣ يوليو-٢٠٢٥       11000

بقلم - الدكتورة : إيمان حماد الحماد

النِّعَمُ مظاهرُ لِلُطفِ الله، وآياتٌ على محبّته لعباده، ينثرها في دروبهم لتكون سببًا في صلاحهم لا فتنتهم، ووسيلةً إلى قُربهم لا بُعدهم.

ولكن…
كم من إنسانٍ أُغرقَ بالنّعم فما شكر، وأُلهِي بالفضل فما اعتبر!
ظنّ أن ما بين يديه دائمٌ لا يزول، وناسَى أن ربّ النعمة قادرٌ على سَلبها في طرفة عين.

إذا ما كنتَ للنِّعَمِ مُراعِيًا،
فقدْ فُزتَ بالحِفاظِ وبالثَّمَرْ

وكم مِن نِعمةٍ زالتْ لأنا،
نسينا شُكرها في زهوِ عُمرْ

إذا أسدى الإلهُ إليكَ فضلًا،
فصُنْهُ بامتثالٍ أو بذكرْ

فما تبقى النِّعَمُ لقلبِ غافٍ،
ولا تُجزى الحياةُ بلا نظرْ


فالنعمةُ لا تُؤخذ بالقوّة، ولا تدوم بالغفلة، بل تُصان بالحمد، وتُبارَك بالشكر، وتُخلَّد بالعطاء.

النِّعَمُ رسائل نورٍ من السماء، وأماناتٌ مودَعة في يد الإنسان، يختبر بها ربه صدقه، ويبتليه بها في شكره، فمن وفَّى دام له الفضل، ومن جحدها أفل نجمه، وزال ملكه، وتبدّدت أسبابُ رضاه. ما أكثر النعم التي نعيش في ظلّها، وما أقل مَن يتأمّلها حقّ التأمّل! نتقلب بين العافية والرزق، ونحيا في سترٍ ولطف، ونتوهّم أن ذلك حقٌّ دائم، لا فضلٌ زائل.
  لكنّ الله جل جلاله يذكّرنا بأن النِّعم تُربَط بالشكر، وتُسلسَل بالحمد، وتُضاعف عند التقدير، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾، وقال رسول الله ﷺ: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها".
فإذا كان الحمد على طعام أو جرعة ماء يُرضي الرحمن، فكيف بمن يشكر دوام الصحة، ونعمة الأم، وهدوء النفس، وصحبة الخير، وبركة السُّتر؟

أترضى نعمةَ الرحمن تُنسى؟
وفيكَ الصّوتُ يحمدُ أو يجورُ؟

فصُنها ما استطعتَ، فكم نِعَمٍ
تولَّت حين لم يُحفظ شعورُ

وإن طالَتْ، فلا تأمنْ بقاءً،
فما دامت لنفسٍ لا تشورُ

وشُكرُ النّعمِ تاجٌ لا يُدانى،
بِهِ تُزكَى القلوبُ وتَستنيرُ

فكن عبدًا وفيًّا لا تُغالِي،
يصونُ الفضلَ قلبٌ مُستنيرُ

من لم يعرف النعمةَ في ظاهرها، سُلب باطنها، ومن لم يشكرها في وقتها، عُوقب بزوالها بعد حين. إنّ النعم إذا قُيّدت بالشكر بقيت، وإذا أُطلقت بالجحود ولّت. فالنعم كالزهور، إن لم تُسق ذبلت، وكالضياء، إن لم يُوقَد خبا، وكالضيف الكريم، إن لم يُستقبل بأدب، رحل بلا وداع. وإنّ حفظ النعمة ليس حيلةً للبقاء، بل فِطنةُ الصالحين، ووصيّةُ الأنبياء، وشرطُ الاستزادة من ربّ الأرض والسماء. فلا يُؤمَن على النّعَم من لا يعرف قدرها، ولا يذوق لذّة البركة من لم يشكر واهبها، فاشكروا نعمة الله عليكم بالحمد، وبالعدل، وبالوفاء.
النعمة إن شُكرت، استقرّت، وإن جُحدت، انحدرت.
فصونُ النِّعمِ مفتاحُ البقاء، وشكرُها عِقدُ الوفاء، وإهمالُها مطيّةٌ للفَناء.

فلْنحمد الله في كلّ حين، على ما نعلم من نِعَمِه، وما نجهل…
فنحن بما نعلم نحفل ، وعما نجهل نسأل ..
فما أعطانا عظيم ، ولكن ماخفي أعظم ..
والله بالكل أعلم ..