محمد السويعي

٠١:٣١ م-٢٥ يوليو-٢٠٢٣

الكاتب : محمد السويعي
التاريخ: ٠١:٣١ م-٢٥ يوليو-٢٠٢٣       47135

      

مستقبل الوظائف البشرية في ظل الذكاء الاصطناعي: هل ستحل الآلات محل البشر؟

بقلم: محمد السويعي

مختص في إدارة تقنية المعلومات والأمن السيبراني ومهتم في أبحاث أنظمة الذكاء الاصطناعي

في عصرٍ يتسارع فيه التقدم التقني بلا هوادة، يشهد  الذكاء الاصطناعي  تطورًا مذهلاً يبدو أنه سيُغير من كيفية أداء أعمالنا التقليدية والروتينية. فعلياً، يُعَدّ  الذكاء الاصطناعي  محورًا رئيسيًا للتحولات التي تطرأ على سوق العمل في الوقت الحاضر، ويُتوقّع أن يستمر هذا التأثير في التصاعد في المستقبل القريب. تبدو تلك التقنية الرائدة أنها ستُحدث ثورةً جذرية في العديد من المجالات، مما يُثير التساؤلات حول المستقبل المهني للعنصر البشري. هل ستحل الآلات والروبوتات محل البشر تمامًا؟ هل سيكون العمل البشري شيئًا من الماضي؟

تردد أصوات كثيرة حول هذا الموضوع الحساس، فمن جهةٍ تعتقد بعض الآراء أن  الذكاء الاصطناعي  سيؤدي إلى تجاوز العنصر البشري واستبداله في العديد من المهام الروتينية والمتكررة، مثل تشغيل الماكينات وإجراء المحادثات الهاتفية وتقديم خدمة العملاء. مع ذلك، تعتقد آراءٌ أخرى أن  الذكاء الاصطناعي  لن يحل محل البشر بالكامل، بل سيكون شريكًا لهم في مجال العمل. ففي ظلّ التقدم التقني، ستظهر وظائف جديدة تتطلب التفاعل بين البشر والآلات، مما يؤدي إلى إعادة صياغة دور العامل البشري وتحسينه وتطويره.

بالنظر إلى هذا الوضع المعقد، فإن القلق من مستقبل الوظائف يظل واردًا وتحتاج الأمور إلى تحليل دقيق ومواكبةٍ مستمرة للتغيرات. واضحٌ أن  الذكاء الاصطناعي  سيظل قوةً تحدِّد طبيعة العمل في المستقبل، لذا فإن الاستعداد والتكيف مع تلك التطورات يمثلان التحدي الكبير الذي ينبغي أن نتجاوزه للحفاظ على جودة الحياة المهنية والاقتصادية للبشرية.

في هذا المقال، سأناقش تأثير  الذكاء الاصطناعي  على سوق العمل، ومستقبل الوظائف، ومن وجهة نظري الشخصية سوف أجيب على الأسئلة التي يتم تداولها من حين إلى آخر حول هذه التقنية وهي: هل سيحل  الذكاء الاصطناعي  محل البشر؟ ما الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدمه للبشر؟ هل يمكن أن يكون  الذكاء الاصطناعي  شريكاً للبشر؟ هل يتمتع  الذكاء الاصطناعي  بالعمق العاطفي مثل البشر؟

تأثير  الذكاء الاصطناعي  على سوق العمل:

في الواقع، يُعد  الذكاء الاصطناعي  الآن من أبرز القوى القادمة التي تؤثر في سوق العمل وتحوّل طبيعة الوظائف. تُظهِر التقارير والدراسات أن هناك وظائف تقليدية وروتينية قد تكون عُرضةً للاستبدال بسبب التقدم التقني، مثل الوظائف الصناعية والخدمات اللوجستية والتجارة ومجالات أخرى. إذا لم يتم التعامل بشكل ملائم مع هذا التسارع التقني، قد يتسبب  الذكاء الاصطناعي  في تأثير سلبي على بعض فئات العمالة المتعلقة بهذه الوظائف.

من ناحية أخرى، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في ابتكار وظائف جديدة في مختلف القطاعات. على سبيل المثال، قد يؤدي  الذكاء الاصطناعي  إلى زيادة الطلب على وظائف في مجالات التطوير والتشغيل والبرمجة والتسويق والمبيعات والتدريب والدعم الفني. كما يمكن أن يُحَسِّنَ  الذكاء الاصطناعي  كفاءة العمل ويعزز الإنتاجية في مختلف القطاعات، مما يستدعي الحاجة لاكتساب مهارات متقدمة للتعامل مع هذه التقنيات. يترتب عليه ضرورة تحضير العمالة الحالية والمستقبلية من خلال تطوير المهارات والتدريب المهني.

إن توقعات تأثير  الذكاء الاصطناعي  على سوق العمل لا تزال قابلة للتغيير، وهو ما يجعل الاستعداد والتكيف أمرًا حيويًا للتأقلم مع هذه التحولات. لذلك، يُنصَح بتطوير المهارات والتعلم المستمر لضمان تحقيق النجاح في الوظائف القادمة والاستفادة من الفرص الجديدة التي سيتيحها الذكاء الاصطناعي.

مستقبل الوظائف البشرية في ظل الذكاء الاصطناعي:

مستقبل الوظائف البشرية في ظل  الذكاء الاصطناعي  يُحدَّد بمدى استعداد المجتمع لمواجهة هذه التحديات واستغلال الفرص المتاحة. يتطلب الأمر منا الاستثمار في التعليم والتدريب المهني، سواء للشباب الطموح أو للعاملين الحاليين أو للقادمين لسوق العمل، لتعزيز قدراتهم وتجهيزهم للعمل في اقتصادٍ يعتمد على التقنيات الحديثة.

يتوجب علينا مساندة العاملين في التحول وتطوير مهاراتهم لمواكبة متطلبات سوق العمل المتغيرة. إلى جانب ذلك، من الضروري أن نأخذ في اعتبارنا أن تأثير  الذكاء الاصطناعي  على الوظائف سيكون متباينًا من دولةٍ إلى أخرى، وذلك يعتمد على القدرة المالية للحصول على تلك التقنية وتوافر البنية التحتية اللازمة ووجود التشريعات والسياسات الحكومية المنظمة لاستخدامات هذه التقنية المتقدمة في سوق العمل، بحيث تُحقِق أواصر التوازن بين الاستفادة منها وحماية حقوق العاملين.

في النهاية، تصبح مواجهة هذه التحديات واستثمار الجهود لتحسين مهارات العاملين في مجال التقنية واستغلال فرص  الذكاء الاصطناعي  أمرًا ضروريًا لتحقيق تطورٍ فعّال في سوق العمل وتعزيز التنافسية الاقتصادية. يجب أن يكون التحول نحو مجتمع مستعد ومتجدد جاهزًا للمستقبل الذي سيشهده تقدم التقنية وتحسنها.

هل سيحل  الذكاء الاصطناعي  محل البشر؟

هذا سؤال يطرحه الكثير من الناس حيث أصبح  الذكاء الاصطناعي  أكثر تقدمًا وقدرة على أداء المهام التي تتطلب عادةً ذكاءً بشريًا، مثل التعلم وتنفيذ مهام معقدة، واتخاذ القرارات الدقيقة، والإبداع، والابتكار. في الواقع، يمكن للذكاء الاصطناعي أداء العديد من المهام التي كانت تعتبر في يوم من الأيام مقصورة على البشر. ومع ذلك، لا يزال  الذكاء الاصطناعي  بعيدًا عن القدرة على الإبداع والابتكار بنفس الطريقة التي يفعلها البشر. البشر يتمتعون بالقدرة على التفكير خارج الصندوق، والخروج بأفكار جديدة ومبتكرة، لأن هذه ظواهر معقدة ومتعددة الأوجه تعتمد على عوامل مثل الحدس والعاطفة، والخيال، والثقافة، والقيم. ولكن يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز الإبداع والابتكار البشري ويكملهما، ولكن لا يمكنه أن يحل محل الإبداع والابتكار البشري بالكامل.

لذلك، فإن السؤال عما إذا كان  الذكاء الاصطناعي  سيحل محل البشر يجب النظر إلى  الذكاء الاصطناعي  كشريك ومحفز للإبداع والابتكار البشري، وليس منافسًا أو تهديدًا. ومن الضروري أن نتذكر بأن  الذكاء الاصطناعي  مجرد أداة يمكنها تنفيذ مهام معينة وليست ذاتية الإرادة والإدارة. بعبارة أخرى، يتطلب  الذكاء الاصطناعي  التعليم والتوجيه من البشر لتحقيق الأهداف المرجوة.

ما الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدمه للبشر؟

تتمثل قوة  الذكاء الاصطناعي  في قدرته على تقديم الدعم وتعزيز الإبداع والابتكار البشري في مجموعة واسعة من المجالات. يتيح  الذكاء الاصطناعي  الفرصة للبشر للإبداع بشكل أفضل من خلال توفير أدوات وتقنيات جديدة. وفضلاً عن ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة البشر في تحليل البيانات الضخمة لاكتشاف الأنماط وتوقع المستقبل، ودعم مجالات مثل البحث العلمي والتطوير والتخطيط الاستراتيجي.

بفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن إنشاء أفكار جديدة استنادًا إلى البيانات المتاحة مسبقًا، وتقديم حلول جديدة للتحديات المعقدة بسرعة ودقة تفوق قدرات البشر. ومع ذلك، ينبغي علينا أن نؤكد أن  الذكاء الاصطناعي  مجرد أداة، ولا يمكن أن يكون بديلاً عن البشر. ينبغي على البشر أن يدركوا نقاط قوة  الذكاء الاصطناعي  والفرص التي يمكن أن يوفرها، وفي الوقت نفسه، أن يدركوا حدود هذه التقنية.

هل يمكن أن يكون  الذكاء الاصطناعي  شريكاً للبشر؟

ينبغي علينا ألا ننسى دور البشر في عملية الإبداع والابتكار. وكما ذكرت من قبل، البشر يتمتعون بالقدرة على التفكير الإبداعي والابتكاري بشكل فريد. البشر يمتلكون القدرة على الخروج بأفكار جديدة ومبتكرة والتعامل مع المشكلات بطرق غير تقليدية. تعتمد عملية الإبداع والابتكار في البشر على الخيال والحدس والتجربة، وهذه هي السمات التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي استبدالها بالكامل. يمكن للبشر اختيار استخدام  الذكاء الاصطناعي  كأداة مساعدة لهم في عملية الإبداع والابتكار، أو ببساطة السماح للذكاء الاصطناعي بأن يحل محلهم تمامًا. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة قوية لتعزيز قدرات الإبداع البشري. على سبيل المثال، من خلال استخدام  الذكاء الاصطناعي  في تحليل البيانات والتنبؤ والمحاكاة، يمكن للبشر أن يستفيدوا من معرفة أفضل وأسرع في صنع القرارات وتحسين عملياتهم الإبداعية. يمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا أن يساعد في تطوير منتجات جديدة وحلول مبتكرة للتحديات الحالية والمستقبلية. في النهاية، التعاون بين البشر والذكاء الاصطناعي هو المفتاح لتحقيق التقدم والنجاح في عالمنا الحديث، بحيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون شريكًا قويًا للبشر ومساهمًا في تحسين الإبداع والابتكار.

هل يتمتع  الذكاء الاصطناعي  بالعمق العاطفي مثل البشر؟

الذكاء الاصطناعي له قيود متأصلة على الإمكانات الإبداعية والمبتكرة. يفتقر  الذكاء الاصطناعي  إلى العمق العاطفي والفهم التجريبي الذي غالبًا ما يغذي الإبداع البشري. فإذاً الإمكانات الإبداعية والمبتكرة للذكاء الاصطناعي تتم من خلال الاعتماد على أنماط وهياكل في البيانات التي أنشأها البشر وتم برمجته عليها، بدلاً من التعبير عن رؤية داخلية فريدة أو استجابة عاطفية. في حين يمكن للذكاء الاصطناعي تقليد منتجات الإبداع، فإنه لا يمتلك بصدق العمق العاطفي والثراء الكامن وراء العملية الإبداعية بنفس المستوى من المرونة الإدراكية والفهم مثل البشر. علاوةً على ذلك، يفتقر  الذكاء الاصطناعي  إلى القدرة على فهم المشاعر الإنسانية المعقدة مثل السعادة والحب والغيرة والحزن والغضب والشعور بالذنب، والقدرة على فهم السياق الاجتماعي والتي تعتبر هي سمات بشرية عميقة لا يمكن للذكاء الاصطناعي فهما.

وفي الختام، علينا أن نعلم بأن مستقبل الوظائف في ظل  الذكاء الاصطناعي  مليء بالتحديات والفرص. يمكن أن يؤدي  الذكاء الاصطناعي  إلى تطوير وظائف جديدة وزيادة الإنتاجية والفعالية في العديد من الصناعات، ولكنه قد يؤثر أيضًا على بعض الوظائف التقليدية، لذا يتطلب منا الأمر إلى التحضير والاستعداد لمواجهة هذه التحولات. يجب أن نعمل جميعًا معًا لضمان أن تساهم هذه التقنيات بشكل إيجابي في مستقبل سوق العمل وتعزز حياة البشر ورفاهيتهم، ويجب أن نتعامل مع التقنيات بحكمة ونستفيد من إمكاناتها بشكل متوازن مع المهارات والقدرات البشرية.