أحمد سليمان النجار 

١٠:٤٥ ص-٢٤ يوليو-٢٠٢٣

الكاتب : أحمد سليمان النجار 
التاريخ: ١٠:٤٥ ص-٢٤ يوليو-٢٠٢٣       39545

 

طَرش الهَدَد ..!!

في دراسة أجرتها مجموعة من عيال الحارة بالتعاون مع مركز العم سعيد للأبحاث والسوبيا , توصلوا فيه للذي كنت أقوله دائماً : 
بأن العُنصرية - بمعناها الأولي: وهو ميل الكائن الحي نحو مايشبهه من الكائنات في أي جانب من الجوانب - بأن هذه العنصرية الأولية هي مركب غريزي أودعه الله في الكائن الحي كنوع من أنواع استراتيجيات البقاء التي يلجأ لها الكائن الحي عند شعوره بالتهديد والخوف ليصل بها إلى الشعور بالقوة والأمان ..!!
بل إن الإسلام ذهب لأبعد من ذلك عندما شدد على ( العاقلة ) وجعلها تحمل مسؤولية أفعال أي عنصر من عناصرها بشروط معينة ..!!

وبذلك لاتكون العنصرية – أياً كانت – عاملاً سلبياً مؤذياً , إلا إذا خرجت من معناها الأولي إلى المعنى المرضي المُنتن الذي أمرنا- صلى الله عليه وسلم - بتركه والابتعاد عنه .., أو إذا قادت صاحبها نحو الفخر المقيت والكبر الفارغ , والتي تجعله رافضاً للحق معادياً له , كما حدث مع إبليس عند تعنصره لعنصر النار المخلوق منه ضد عنصر الطين المخلوق منه آدم عليه السلام { أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } , وحذا حذوه في ذلك كفار قريش عندما كان أحد أسباب رفضهم للإسلام هو التعنصر ضد طبقة من تبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم ..!!

وهنا سوف أستأذن العلامة أبوكوع وفريقه صاحب الدراسة السابقة , في أن أربط بين دراستهم تلك وبين النقلة الاجتماعية التي مر بها سكان الأحياء العشوائية المُزالة مؤخراً في مدينة جدة , وبما أني أحد من نشأ وترعرع في هذه الأحياء , فلابد أن أُشيد - بداية - بالقرار التطويري الشجاع الحكيم والذي اتخذته حكومتنا الرشيدة – حفظها الله ورعاها – بإزالة هذه الأحياء , فقد كان – وهذه شهادة لله -  هذا هو الحل الأمثل والأفضل لمعالجة مثل هذه المشكلة , صحيح أن هناك من تألم وعانى , لكن أي تغيير في الدنيا مهما كان حجمه ونوعه يحمل في طياته بعض الألم والمعاناة للبعض ..!!

ولكن ماعلاقة العنصرية بإزالة هذه الأحياء ؟!!
انتقال سكان الأحياء العشوائية الشعبية إلى أحياء جديدة , لم يكن انتقال عنوان فقط , بل كان نقلة نوعية في كل شيء , فما قد ألفوه واعتادوا عليه في أحيائهم القديمة – بحكم العشرة والزمن – من تواصل وترابط وطريقة حياة  وعلاقات مُجتمعية , قد فقدوه – أو معظمه – في أحيائهم الجديدة , صحيح أن الجميع يضمهم وطن عظيم واحد , ولكن هذا أمر طبيعي للغاية , ومعظمهم قد تأقلم مع هذا التغيير , وكثير منهم اكتشف أن هذا التغيير الذي عانوا منه بداية , كان تغييراً إيجابياً للغاية ..!! وبعضهم لم يبقَ لديه إلا أن يتعامل مع ذكرياته التي تربطه بتلك الحياة تعاملاً إيجابياً فيه اشتياق وحنين , لكنه لايصل بصاحبه لحد رفض مجتمعه الجديد ومحاولته الجادة لصناعة ذكريات جديدة ..!!
وهنا مربط الفرس في هذا المقال , فكثير من سكان الأحياء التي انتقل إليها سكان الأحياء المُزالة , كانوا يتوجسون خيفة من القادمين الجُدد , وذلك إما للصورة الموجودة في أذهانهم عن تلك الأحياء , والتي عززتها بعض النماذج الحقيقية – والقليلة – من هذه الأحياء , و بعض قصص يتناقلها البعض عن هذه الأحياء  ,  وزاد الطين بلة بعض الأعمال الدرامية العربية مثل ( إبراهيم الأبيض ) وغيره والتي ساهمت في نشر الرعب من تلك الأحياء كافة ..!!
صحيح أن بعض هذه المخاوف حقيقية , ولكن في المقابل فإن هذه الأحياء ولأنها جزء من هذا الوطن العظيم الذي لم يفرق بين أحد من شعبه بتعليم وتطوير , فإنها كانت تحوي كثيراً من القامات والمثقفين والأدباء والعلماء ومن وصلوا لمناصب عالية في كل أجهزة الدولة , كما أن كثيراً منهم هم ملاك وحالتهم المادية مقبولة للغاية .., إلا أن معظمهم لم يركزوا يوماً على المظاهر ولم تكن تعنيهم في شيء ، وهذه ثقافة سائدة يعرفها من نشأ مثلي في مثل هذه الأحياء , لدرجة أنك تلتقي بشخص يرتدي ملابس بسيطة لاتدل على أنه قد يكون أحد ألأدباء أو عمالقة علم من العلوم أو يشغل منصباً كبيراً ..!!  , وهذا مما سبب لهم بعض المشقة عند انتقالهم لأحياء كان المظهر هو أهم وسيلة للحكم على مجموعات جديدة لايعلمون عنهم شيئاً ..!!

وهنا أطلت العنصرية برأسها لتضرب بين العنصرين – القادم للحي والمقيم فيه – سوراً عالياً من التخوف والتجنب والحذر والشك والارتياب  , قاد لنوع من التعامل غير المحبب للنفس ..!!
هذه الأخبار السيئة، ولكن الأخبار الجيدة أنه – ومع الوقت – بدأ هذا السور يزول وبدأت تلك المخاوف تتلاشى , عندما بدأ سكان الحي يكتشفون خطأ تلك الصورة الموجودة في أذهانهم , وأن كثيراً من القادمين إليهم , هم بنفس مستواهم العلمي والاجتماعي – إن لم يكن أعلى – وأن مجتمعنا العظيم يملك من العقلانية والقوة والتماسك , ما يجعله قادراً على إعادة تشكيل نسيجه الاجتماعي بمرونة وروعة ليضم كل عناصر هذا الوطن العظيم بكل الحب والاحترام والثقة والتقدير ..!!
ولن يتبقى غارقاً  في وحل العنصرية البغيض إلا من تجاوزت العنصرية لديهم حد المُركب الغريزي ، لتصبح مرضاً مؤذياً له قبل غيره ..!!

أحمد سليمان النجار 
‏@3h_live