

النهار
بقلم: د. فايز الأحمري
في عالم يتجه بخطى متسارعة نحو الاقتصاد المعرفي ؛ بات من الضروري إعادة النظر في أساليب القيادة والإدارة، فقيادة العقول تختلف جوهريًا عن قيادة المصانع، ليس فقط في الأسلوب، بل في الفلسفة والرؤية والتعامل اليومي.
فالمصانع تعمل وفق نظم واضحة وثابتة، حيث يتم تحديد المهام، وضبط الوقت، وقياس الإنتاجية بأرقام دقيقة.
وفي هذا الإطار يبرز دور القائد كمراقب وموجّه، يحرص على الانضباط، ويقلل من الأخطاء، ويعزز الكفاءة التشغيلية، بينما في بيئة قائمة على العقول – كالشركات التكنولوجية، والمؤسسات التعليمية والبحثية، وفرق الابتكار – يصبح القائد محفّزًا للأفكار، وراعيًا للإبداع، وشريكًا في الرؤية.
والعمل مع العقول يعني التعامل مع بشر يحملون أفكارًا، تطلعات، ووجهات نظر متنوعة، لا يمكن فرض الإبداع بالقوة، ولا يمكن ضبط الفِكر بقوانين صارمة.
لذلك على القائد أن يوفّر بيئة آمنة نفسيًا يشعر فيها الأفراد بأن أفكارهم مسموعة، وآراءهم مقدّرة، ووجودهم له قيمة تتجاوز "الإنتاج اليومي".
والقادة في بيئات العقول لا يوزّعون المهام فقط، بل يلهمون الفرق، يوجهون الرؤية، ويخلقون المعنى من العمل، إنهم يسألون أكثر مما يأمرون، ويحفّزون بدلاً من أن يتحكموا، نجاحهم يُقاس بقدرتهم على بناء فرق مستقلة تفكر، وتطوّر، وليس فقط تطيع وتنفذ.
إنّ قيادة العقول أصعب من قيادة الآلات، فالعقول قد تختلف، تتمرد، أو تتعثر،والقائد الناجح في هذا المجال هو من يتقن الإصغاء، ويحتوي الخلاف، ويوازن بين الأهداف المؤسسية واحتياجات الأفراد، عليه أن يبني الثقة، ويغذّي الحافز الذاتي، ويمنح الوقت للنمو والتطور.
وختاماً ففي القرن الحادي والعشرين حيث أصبحت المعرفة هي المورد الأول؛ لم يعد يكفي أن نكون مديرين ناجحين، بل نحتاج أن نكون قادة للعقول، فبينما تُقاد المصانع بالأنظمة والقوانين الصارمة؛ تُقاد العقول بالحوار والرؤية والثقة، ومن يُتقن الفرق؛ يصنع التغيير.

