

النهار
بقلم: محمد السويعي
يشهد العالم اليوم تحولًا جذريًا في مفهوم التعليم، حيث باتت التقنية لاعبًا أساسيًا في إعادة تشكيل طرق وأساليب التعلم. وبينما ظل التعليم التقليدي لعقود طويلة هو النمط السائد، أصبح التعليم الرقمي القائم على التقنية، عنصرًا لا يمكن الاستغناء عنه في بنية التعليم الحديثة، خاصة في ظل التحديات العالمية والتحولات الرقمية المتسارعة.
التعليم التقليدي
لطالما ارتبط التعليم التقليدي بالصورة الكلاسيكية للفصل الدراسي، حيث يجلس الطلاب في قاعات مخصصة، يتلقون المعلومات من معلم حاضر وجهًا لوجه، مستندين في ذلك إلى الكتب المطبوعة والمراجع الورقية. هذا النموذج يوفّر تفاعلًا مباشرًا بين المعلم والطالب، الأمر الذي يسهم في تحسين المتابعة اللحظية وتقييم الأداء الفوري.
ورغم مزاياه من حيث الانضباط والروتين التعليمي، إلا أن التعليم التقليدي لا يخلو من التحديات، أبرزها الاعتماد الكبير على الحفظ والتلقين، وتقييده للطالب من حيث الزمان والمكان، إذ يتطلب حضورًا فعليًا في وقت ومكان محددين، ما يقلل من فرص التعلم المرن والمخصص.
التعليم الرقمي
في المقابل، جاء التعليم الرقمي القائم على التقنية ليكسر الحواجز المكانية والزمنية، معتمدًا على الإنترنت والأجهزة الذكية كوسيط رئيسي في تقديم المحتوى. وبفضل أدوات مثل الكتب الرقمية، الفيديوهات التفاعلية، والمنصات التعليمية، أصبح الطالب قادرًا على التعلم بالوتيرة التي تناسبه، وفي الوقت والمكان الذي يختاره.
هذا النوع من التعليم يعزز من مهارات البحث والتفكير النقدي، ويمنح الطالب حرية أكبر في تخصيص رحلته التعليمية وفقًا لاهتماماته ومستواه الأكاديمي. كما يوفّر فرصًا تعليمية أوسع للفئات التي تعاني من صعوبات في الوصول إلى التعليم التقليدي، سواء لأسباب جغرافية، أو صحية، أو اقتصادية، أو طبيعية.
الخيار الاستراتيجي للمستقبل
قد يبدو للبعض أن هناك صراعًا بين التعليم التقليدي والتعليم الرقمي، لكن الواقع يشير إلى أن التكامل بين النموذجين هو الخيار الأمثل لمستقبل التعليم. فبينما يوفر التعليم التقليدي البُعد الإنساني والتفاعلي، يقدم التعليم الرقمي أدوات متقدمة تساعد على تعميق الفهم وتوسيع آفاق المعرفة.
إن النهوض بالتعليم في القرن الحادي والعشرين يتطلب تجاوز فكرة المفاضلة بين النماذج، والاتجاه نحو تكامل استراتيجي يجمع بين العمق الإنساني للتعليم التقليدي، والديناميكية الرقمية للتعلم الحديث، لبناء أجيال أكثر وعيًا، وأفضل استعدادًا لعالم رقمي متغير يتطلب مهارات جديدة وتفكيرًا مرنًا.

