الكاتب : لواء م عبد الله ثابت العرابي الحارثي
التاريخ: ٠١:٥٦ م-٠٤ ابريل-٢٠٢٥       13365

بقلم: لواء.م..عبدالله ثابت العرابي الحارثي

في زمنٍ تتحدث فيه الإنجازات قبل الأرقام، تكتب المملكة العربية السعودية قصةً تتجاوز حدود الممكن، فتظهر كأنشودةٍ من الدقة والإتقان في إدارة وتنظيم حشود الزوار والمعتمرين والمصلين خلال موسم رمضان. ليست هذه مجرد عملية تنظيمية عابرة أو إنجازٍ يُسجَّل في التقارير، بل هي ملحمةٌ متكاملةٌ، تنسج بين طياتها تفاصيل تجربة استثنائية، تجسد رؤيةً قياديةً متفردة، وإرادةً صلبة استطاعت أن تحوّل تحديات الزمان والمكان إلى نموذجٍ تنظيمي يُلهم العالم.

 

أرقامٌ تتحدث عن إنجازٍ فريد

في رمضان 1446هـ (2025م)، كُتب فصلٌ جديد في تاريخ خدمة ضيوف الرحمن، حيث تجاوز عدد زوار الحرمين الشريفين 122 مليون زائر خلال 30 يومًا. رقمٌ لا يُقاس إلا بقياس العزيمة والاحترافية التي جعلت استيعاب هذا العدد الهائل يتم بسلاسةٍ مُبهرة، دون ازدحامٍ خانق، أو تأخيرٍ يُفسد قدسية التجربة. هذا الرقم ليس مجرد إحصائية تُعرض في التقارير، بل هو انعكاسٌ لجهودٍ جبارة تضع راحة الزوار فوق كل اعتبار، وتجعل من استضافة هذا الحشد الضخم تجربةً سلسة لا تعرف التعقيد.

 

رحلةٌ متكاملة من الاستقبال إلى التوديع

منذ لحظة وصول الزائر إلى أرض المملكة، تبدأ رحلةٌ تنظيمية فريدة، تتجاوز فكرة الحشود في مكانٍ وزمانٍ محددين، إلى تجربةٍ متكاملة تبدأ من المنافذ الجوية والبرية والبحرية، حيث يتم استقبالهم بأعلى درجات العناية والاحترافية. تتبع ذلك أنظمة متطورة لإدارة الحشود، وخدمات لوجستية وصحية وأمنية متكاملة، تضمن لهم أداء مناسكهم في بيئةٍ يسودها الأمان والطمأنينة. وهنا يتجلى الإبداع السعودي في استيعاب التدفق البشري الضخم، دون أن تتعطل حركة، أو يُرهَق زائر، أو يُضيَّع وقتٌ في انتظار غير محسوب.

 

هذا النجاح لم يأتِ صدفة، بل هو ثمرة استثمارات ضخمة تُقدَّر بمليارات الريالات، تم تسخيرها في أحدث أنظمة الإدارة الذكية، وتقنيات المراقبة المتقدمة، وبنية تحتية مرنة تستوعب الأعداد المتزايدة عامًا بعد عام. كل ذلك دون أن يُفقَد البُعد الإنساني الذي يُبرز كرم هذا الوطن، ويجعل خدمة ضيوف الرحمن شرفًا لا يُضاهيه إنجازٌ آخر.

 

موسم رمضان والحج.. اختلاف التحديات وثبات الكفاءة

ورغم أن خدمة ضيوف الرحمن تظل شرفًا ثابتًا، إلا أن التحديات تختلف بين موسمي رمضان والحج. يمتد موسم رمضان لشهرٍ كامل، حيث تتوزع الحشود داخل الحرمين الشريفين، بينما يتميز الحج بأيامٍ معدودةٍ تتوزع فيها الحشود بين المشاعر المقدسة وفق جدولٍ زمني بالغ الدقة. ومع هذا الاختلاف، يبقى النهج السعودي واحدًا: تنظيمٌ محكم، كفاءةٌ تُلهم العالم، وإرادةٌ تصنع المستحيل.

 

رجال الأمن.. حُماة الحرمين ومهندسو الطمأنينة

وسط هذا المشهد الاستثنائي، يبرز رجال الأمن السعوديون كركيزةٍ أساسية، حيث لا يقتصر دورهم على حفظ النظام، بل يمتد ليشمل توجيه الزوار، وإدارة تدفق الحشود داخل الحرمين الشريفين، وضمان انسيابية الحركة بسلاسةٍ مُبهرة. إنهم المهندسون الحقيقيون لهذه المنظومة، يتحركون بانضباطٍ وكفاءة، مدعومين بأحدث تقنيات المراقبة والإدارة، ليجعلوا من كل خطوةٍ للزوار رحلةً آمنة، ومن كل لحظةٍ تجربةً روحانية خالية من أي قلقٍ أو اضطراب.

لكن خلف هذه الجهود العظيمة، تقف قصصٌ من البذل والتفاني، أبطالها رجال أمنٍ نذروا أنفسهم لخدمة ضيوف الرحمن. منهم من أمضى أربعة عقودٍ في الميدان، وآخر لم يعرف صوم رمضان وسط أسرته منذ ثلاثين عامًا، اختار أن يكون في قلب الحدث، يؤثر راحة الحجاج والمعتمرين على راحته الشخصية. هؤلاء هم الجنود المجهولون الذين يُسطرون بأفعالهم أعظم دروس التفاني والإيثار.

لقد أصبح النموذج الأمني السعودي في إدارة الحشود مدرسةً عالمية، تُدرس في كبرى المؤتمرات والفعاليات الدولية، مما يجعل من رجال الأمن السعوديين ليسوا مجرد حُماة لأمن الحرمين، بل صُنّاع طمأنينة، ومهندسي سلامة، وركيزة أساسية في تجربة إيمانية يجب أن تكون خالية من أي مشقةٍ غير محسوبة.

 

الإعلام.. المرآة التي تعكس الإنجاز

ولأن الصورة لا تكتمل إلا برؤيةٍ إعلامية تعكس تفاصيل الإنجاز، كان للإعلام السعودي دورٌ بارز في إبراز هذه الملحمة الوطنية. لم يكن دوره مجرد تغطيةٍ للأحداث، بل كان نافذةً تُظهر الجهود العظيمة التي تُبذل خلف الكواليس، ليحوّل كل مشهدٍ تنظيمي إلى قصة نجاح تُروى للعالم بلغةٍ مُحترفة، تُعظّم المنجزات، وتُنصف صُنّاع النجاح.

ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات الإعلامية الرسمية والخاصة في إبراز هذه النجاحات، لا يزال الطموح قائمًا لتطوير محتوى إعلامي أكثر تأثيرًا، يخاطب الرأي العام العالمي بلغةٍ معاصرة، ويُظهر التفرد السعودي في إدارة الحشود وصناعة التجارب الاستثنائية، ليصل صدى هذا الإنجاز إلى كل بقاع الأرض بالصورة التي تليق بحجمه وأهميته.

 

تحية إجلال لصُنّاع النجاح

بهذا النجاح الاستثنائي، تُثبت المملكة أن خدمة ضيوف الرحمن ليست مجرد مهمةٍ تُنجز، بل هي رسالةٌ تُروى بأحرفٍ من نور، تتخللها روح العطاء والتفاني، لتُرسَّخ في ذاكرة كل زائرٍ أنها أرضٌ تهبُ كرمها قبل أن يُطلب، وتبذل أمنها قبل أن يُرجى، وتُكرّس كل إمكانياتها ليكون حج المسلمين وزيارتهم تجربةً تليق بعظمة المكان وقدسية الشعيرة.

ولهذا، نتقدم بتهنئةٍ صادقة لسيدي خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي العهد، على نجاح موسم رمضان والعمرة، كما نرسل باقة تقديرٍ واعتزازٍ لصاحب السمو الملكي وزير الداخلية، ورجاله البواسل الذين لم يكونوا مجرد حراسٍ للأمن، بل صُنّاع تجربة استثنائية، وأبطالًا يُثبتون يومًا بعد يوم أنهم النموذج العالمي المُتفرّد في فن إدارة الحشود.

 

إنجاز وإبداع يليق بالمكان والزمان 

هنا، في أرض الحرمين، حيث يلتقي الإيمان مع الإبداع، تُسطر المملكة فصلًا جديدًا في كتاب الإنجاز، لتُعلن للعالم أن خدمة ضيوف الرحمن ليست واجبًا فقط، بل شرفٌ يُبذل له الغالي والنفيس، وفخرٌ تُنقش به الأسماء، ومسيرةٌ مستمرة ما دام الحرمين في القلب، والزوار في العين، والقيادة تُدير المشهد برؤية تُلهم العالم.