

النهار
بقلم-الدكتور المهندس سلمان الهشبول
في عصر التكنولوجيا والتحول الرقمي، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) حجر الأساس في تطوير أنظمة إدارة المرافق الحديثة، مما يعزز الكفاءة التشغيلية والاستدامة البيئية في المباني حول العالم.
في ظل التحديات التي تواجه إدارة المرافق التقليدية مثل ارتفاع تكاليف الصيانة، هدر الطاقة، وسوء استغلال المساحات، يأتي الذكاء الاصطناعي ليقدم حلولًا مبتكرة تعتمد على تحليل البيانات، الأتمتة، وإنترنت الأشياء (IoT) لتحويل المباني إلى منشآت ذكية وفعالة.
كيف يغير الذكاء الاصطناعي مستقبل إدارة المرافق؟
وفقًا لدراسات حديثة، يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي أن تخفض تكاليف التشغيل في المباني بنسبة تصل إلى 30% من خلال الصيانة التنبؤية، وإدارة الطاقة الذكية، وتحسين الأمن.
1 الصيانة التنبؤية: تقليل الأعطال قبل وقوعها
بدلًا من الصيانة التقليدية التي تعتمد على الإصلاح بعد حدوث العطل، تسمح الخوارزميات الذكية بمراقبة أداء الأجهزة والأنظمة بشكل لحظي، مما يتيح التنبؤ بالأعطال قبل حدوثها واتخاذ إجراءات وقائية.
مثال عملي:
في إحدى ناطحات السحاب بمدينة دبي، تم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات أنظمة التكييف، مما أدى إلى تقليل الأعطال الطارئة بنسبة 40%، وتقليل استهلاك الطاقة بمعدل 20%.
2 إدارة الطاقة الذكية: نحو بيئة أكثر استدامة
تُظهر التقارير أن المباني تستهلك أكثر من 40% من إجمالي الطاقة عالميًا، مما يدفع الخبراء إلى البحث عن حلول لتقليل الهدر وتحقيق استدامة أكبر.
كيف يعمل AI في إدارة الطاقة؟
تحليل أنماط استهلاك الكهرباء تلقائيًا وضبط الإضاءة والتكييف وفقًا للحاجة الفعلية.
استخدام مصادر الطاقة المتجددة بكفاءة، مثل الطاقة الشمسية وتخزينها بشكل ذكي.
تقليل الانبعاثات الكربونية وتعزيز أهداف الاستدامة الوطنية.
مثال عملي:
في السعودية، تم تزويد العديد من الأبراج الحديثة في نيوم والرياض بأنظمة إدارة طاقة ذكية، مما أدى إلى تقليل الفواتير التشغيلية بنسبة 25% مقارنة بالمباني التقليدية.
3️ الذكاء الاصطناعي في الأمن والمراقبة: مستقبل أكثر أمانًا
مع تصاعد التهديدات الأمنية، أصبحت أنظمة المراقبة التقليدية غير كافية لحماية المنشآت الحيوية، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز الأمن داخل المباني.
كيف يعمل؟
تحليل الفيديوهات الحية من الكاميرات الأمنية لاكتشاف سلوكيات غير طبيعية في الوقت الفعلي.
التعرف على الوجوه والأجسام تلقائيًا ومنع الدخول غير المصرح به.
استخدام الروبوتات والدرونز الذكية لحماية المناطق الحساسة في المنشآت.
مثال عملي:
في مطار لندن هيثرو، تم نشر نظام مراقبة ذكي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى تقليل الاختراقات الأمنية بنسبة 35% خلال عام واحد فقط.
4️ إدارة المساحات الذكية: تقليل الهدر وزيادة الإنتاجية
في ظل التحول إلى نظام العمل الهجين بعد جائحة كورونا، أصبح من الضروري تحسين استغلال المساحات داخل المباني، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي في تحليل الإشغال وإعادة توزيع المساحات بذكاء.
أهم الفوائد:
تقليل المساحات غير المستغلة بنسبة 20-30%.
تحسين بيئة العمل عبر ضبط درجة الحرارة والإضاءة تلقائيًا.
تقليل الحاجة إلى التوسع في المباني الجديدة.
مثال عملي:
في مدينة نيويورك، استخدمت شركات كبرى مثل جوجل ومايكروسوفت أنظمة ذكاء اصطناعي لحجز المكاتب وقاعات الاجتماعات تلقائيًا، مما زاد من كفاءة استغلال المساحات بنسبة 25%.
تحديات تطبيق الذكاء الاصطناعي في إدارة المرافق
رغم الفوائد العديدة، لا تزال هناك بعض التحديات التي تواجه استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة المرافق، منها:
ارتفاع تكاليف التنفيذ الأولية، حيث تحتاج الأنظمة الذكية إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتقنيات الحديثة.
حماية البيانات والخصوصية، حيث تتطلب أنظمة المراقبة الذكية تأمينًا عاليًا لتجنب الاختراقات السيبرانية.
مقاومة التغيير من قبل بعض الإدارات التقليدية التي لا تزال تعتمد على الأساليب اليدوية في التشغيل والصيانة.
الحلول الممكنة:
الاستثمار التدريجي في الذكاء الاصطناعي بدلًا من التحول الكامل دفعة واحدة.
تقديم دورات تدريبية للموظفين لمساعدتهم على التكيف مع التقنيات الجديدة.
تطبيق أنظمة الأمن السيبراني لضمان حماية البيانات الحساسة.
الخاتمة: هل يصبح الذكاء الاصطناعي معيارًا في إدارة المرافق؟
مع استمرار الابتكارات في المدن الذكية حول العالم، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في إدارة المرافق، سواء في الصيانة، الطاقة، الأمن، أو إدارة المساحات. وبينما تواجه هذه التقنية بعض التحديات، إلا أن الفوائد التي تقدمها تفوق التكاليف على المدى الطويل.
السؤال الأهم: هل نرى خلال العقد القادم تحول جميع المباني إلى مرافق ذكية بالكامل تعتمد على الذكاء الاصطناعي؟

