نوف الرويسان

٠٣:٠٩ م-١٦ يونيو-٢٠٢٣

الكاتب : نوف الرويسان
التاريخ: ٠٣:٠٩ م-١٦ يونيو-٢٠٢٣       175065

 

رحلة الحج.. من شهور إلى  ساعات..ومن مشي على الأقدام إلى وسائل نقل وأحدثها الطائرات.. ومن خوف إلى أمن.

بقلم:نوف الرويسان

يقول الله عز وجل‏: “وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا”، أي ماشين على أرجلهم‏، “وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ”، أي وهم راكبون،‏ مستعنين بوسائل المواصلات المختلفة‏، كالخيل والإبل قديمًا،‏ والسيارات والسفن والطائرات حديثًا، وتستجيب أمة الإسلام لنداء خالقها فى الحج مصداقا لقوله تعالى: “يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ”.
أداء فريضة الحج - الركن الخامس من أركان الإسلام - على مدى حقب تاريخية متعدّدة منذ وضع سيدنا إبراهيم - عليه السلام - أسُس بيت الله الحرام في مكة المكرمة، فكان الخطاب الإلهي له بأن ينادي في الناس بحج البيت والطواف حوله والسعي بين الصفا والمروة، واستمرّ أداء الحج مع ظهور الإسلام شعيرةً إسلاميةً رافقها شدّ المسلمين رحالهم من شتى أصقاع المعمورة باتجاه الأراضي المقدسة في الجزيرة العربية.

أول صورة لمكة صورها محمد صادق 1881


كان الرجل عندما  ينوي الحج،يودعه أقاربه وأصدقاؤه وداع «الفراق»، وكانت مقولة «الذاهب للحج مفقود والعائد منه مولود» منتشرة، إذ إن المخاطر تحيط بالحاج من كل صوب «سواء من قُطاع الطرق أو الكوارث الطبيعية مثل السيول والأمطار، والحر الشديد أو شح المياه، أو الحيوانات المفترسة التي تقابله في رحلته، وفوق كل ذلك الإتاوات التي تدفعها القوافل للسماح لها بالمرور» في موسم الحج.
ورغم ما كان يتعرض له الحجاج من مصاعب، فإنهم طالما واصلوا السفر إلى الحج، ولم ينقطعوا عنه.
لم تكن جوازات أو وثائق السفر معروفة قديماً، ومع مرور الوقت أصبحت هناك نقاط معينة متعارف عليها يحصل المسافر منها على “بروة”، وهى ورقة صغيرة تحمل إجازة أو إذن بالمرور، فكان الحجاج يحصلون على البروة من ممثل آل سعود في منطقة تسمى سلوى، كي تسهل لحاملها السفر بين المدن والقبائل في المملكة العربية السعودية، من دون أن يعترضه أي أحد.
ولم تسلم تجمعات الحجيج قديمًا من انتشار الأمراض أحيانا، ومن أشهر الأوبئة التي أصابت موسم الحج، كان سنة 1831، وجاء من الهند إلى الحجاز، ومات بسببه ثلاثة أرباع الحجاج، ثم انتشر وباء آخر سنة 1834 ثم سنة 1837 وسنة 1840، فيما انتشرت الكوليرا طوال 5 سنوات على التوالي من سنة 1846 حتى 1850، وفي 1895 حصل أيضاً وباء يشبه حمى التيفويد أو الزحار. 
لكن هذا كله اختفى لاحقًا، مع تطور الرقابة الصحية وذلك رغم أن الحجيج صارت أعداداهم بالملايين، وقد ساهم في ذلك أيضا اتخاذ المزيد من التدابير الاحترازية، كما حدث في عام 1866 حيث بدأ تطبيق قاعدة تفرض على الحجاج تقديم أضاحيهم في أمكنة معينة، وطمر جيف الحيوانات المذبوحة، باعتبارها مصدرًا لانتشار الأمراض والأوبئة.
كما أن القوافل عبر مئات السنين كانت تنساب على ظهور الإبل، وكان الحجيج يخترقون الجبال مشياً على الأقدام، يحملون متاعهم وأكلهم وشربهم على الدواب، وتحمل أمتعتهم الحمير والجمال حيث كانت هذه وسيلة النقل الوحيدة في الماضي.

أول صورة للمدينة المنورة 1881


وبخلاف مخاطر الطريق والجوع والعطش، كان الحجاج يتعرضون في سفرهم لبعض الكوارث الطبيعية، مثل: العواصف والبرد القارس والامطار الغزيرة والسيول الجارفة، مثلما ذكر “ابن الجوزي” عن تعرض قافلة الحجاج الشامية سنة 692 هـ إلى رياح عظيمة وبرد ومطر، وهلك الناس، وحملت الريح أمتعتهم وثيابهم، وحصلت لهم مشقة عظيمة. وفي سنة 1196هـ، اجتاحت قافلة الحج المصرية أثناء سيرها في الطريق بين مكة والمدينة سيل أتى على نصف الحجاج المصريين.

المشقة قديما في الحج


مع تطور الزمن؛ أقيمت على طرق الحج منشآت كثيرة، مثل الاستراحات، والمرافق الاساسية من برك وآبار ومساجد وأسواق، كما وُضِعَت على هذه الطرق الأعلام لإرشاد الحجاج إلى الطرق الواجب إتباعها، لذا فقد قلّل الحجاج ما يأخذونه معهم من مئونة وماء، حيث صاروا يتزودون بها أثناء مرورهم على مدن بلاد نجد.
حرص الحكام والولاة منذ عهد الخلفاء الراشدين، ومن تبعهم على تأمين طرق الحجاج بالحماية، وكانت قوافل الحجاج تتحرك على شكل مجموعات يحرسها عدد كبير من الجنود، وكان المحمل المصري والمحمل الشامي والعراقي يصحبها عدد من الجنود لحمايتها من قطّاع الطرق خلال الطريق إلى الحج.
وإلى وقتٍ غير بعيد، كانت شبه الجزيرة العربية قبل توحيدها على يد الملك عبد العزيز، عبارة عن إمارات متنافرة، تسودها الفوضى وعدم الاستقرار، ولسوء أوضاعهم المعيشية وصعوبة الحياة في الصحراء، كان يُعد الغزو ونهب من يمر بالقرب من مضاربهم أمرًا مألوفًا لدى بعضهم، وكان أعظم المتضررين من فقدان الأمن في شبه الجزيرة العربية هم حجاج بيت الله الحرام، وتذكر بعض كتب التاريخ عن تعرض بعض القوافل للسلب والقتل لكامل أفرادها.

'

أول صور لعرفة


لكن شتان بين حج اليوم وحج الأمس، فاليوم أكثر من 2.5 مليون حاج يفدون إلى مكة، برا وبحرا وجوا، بأمن وأمان وراحة واطمئنان، كما يساهم في حمايتهم داخل الأراضي المقدسة أكثر من 100 ألف رجل أمن من وزارة الداخلية السعودية، بالإضافة إلى القوات المساندة من وزارة الدفاع، والحرس الوطنى.

أقدم صورة للكعبة محمد صادق 1881

 

'

المسجد المدني .قبة البرزخ الشريف . جنينة السيدة فاطمة رضي الله عنها . 1881

 

راحة ويُسر وأمان

في عصرنا الحديث؛ في عهد حكومتنا الرشيدة وحكم ال سعود حفظهم الله . وفي عهد الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.  أصبحت وسائل السفر أكثر سهولة وأمانًا، مع توفير كافة الخدمات التي يحتاجها الحاج في رحلته، فصار الحج فريضة سهلة وممتعة.

 

'

فقطار الحرمين يربط جدة بالمدينة ومكة ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية، مختصرا زمن سفر الحجاج بشكل قياسي، كما تسعي السعودية إلى رفع الطاقة الاستيعابية لزوار بيت الله الحرام إلى 30 مليون بحلول عام 2030، تماشياً مع أهداف رؤية 2030.
وأوضح وزير الحج والعمرة أن توجيهات خادم الحرمين الشريفين بالتخفيف على المسلمين، وذلك بمنح وإصدار التأشيرات للحجاج والمعتمرين إلكترونياً دون الحاجة لهم لمراجعة السفارات السعودية في الخارج، والاستمرار والتوسع في تطبيق مبادرة "طريق مكة" التي يتم فيها إنهاء إجراءات الجوازات والجمارك والصحة وجميع متطلبات دخول الحجاج للمملكة في مطارات بلدانهم ليتم استقبالهم والاحتفاء بهم في منافذ دخول المملكة وكأنهم قادمون على رحلات داخلية.
و برنامج خدمة ضيوف الرحمن الذي يعد أحد أهم برامج رؤية المملكة 2030، والذي أطلق 130 مبادرة اعتمد لها ميزانيات تزيد عن 100 مليار ريال، وسيشارك في تنفيذها أكثر من 32 جهة حكومية ومئات الجهات من القطاع الخاص لخدمة ضيوف الرحمن وتهيئة وتوسعة الحرمين الشريفين والعناية بهما، وتهيئة المشاعر المقدسة (عرفات ومزدلفة ومنى) لاستيعاب جميع الحجاج المؤدين لمناسك الحج وتوفير البنية التحتية والمرافق والخدمات بكافة أشكالها وتوظيف التقنية في خدمة ضيوف الرحمن.