

النهار
بقلم: د. غالب محمد طه
لم يمضِ سوى يومين على نشر مقالنا الذي استعرض التأثير الكبير لتطبيق "ديب سيك" الصيني في سوق الذكاء الاصطناعي، والذي أحدث ضجة غير مسبوقة في أوساط التقنية العالمية، حتى فاجأتنا شركة "علي بابا" الصينية أيضًا بإطلاق منتجها الجديد الذي يعد خطوة جريئة في هذا المجال. تزامن هذا الإعلان مع التساؤلات التي أثرناها في مقالنا السابق حول قدرة الشركات الكبرى على الحفاظ على هيمنتها في ظل وجود حلول مبتكرة ذات تكلفة منخفضة وكفاءة عالية.
وفيما كانت الأسئلة التي طرحناها آنذاك تدور حول التحديات التي تواجهها الشركات الكبرى في سباق الذكاء الاصطناعي، جاء "كوين 2.5" من "علي بابا" ليزيد من تعقيد المشهد، مسلطًا الضوء على التحول الكبير الذي قد يطرأ على السوق، ويعيد ذات التساؤل: كيف يمكن لتقنيات مبتكرة من شركات أقل هيمنة أن تعيد تشكيل موازين القوة في هذا المجال؟
ويبدو أننا نشهد اليوم صراعًا متلاحقًا ومثيرًا في سوق الذكاء الاصطناعي، فقد أطلقت شركة "علي بابا" الصينية نسخة جديدة من نموذجها "كوين 2.5 - ماكس"، مدعية أنه يتفوق في جميع المجالات تقريبًا على النماذج الكبرى مثل "شات جي بي تي 4.0" من "أوبن إيه آي"، و"ديب سيك - في 3" من "ديب سيك"، و"لاما 3.1" من "ميتا". هذه الخطوة تأتي بعد نجاح نموذج "ديب سيك - آر 1" الذي أثار ضجة في أوساط "وادي السيليكون" وأدى إلى انخفاض أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، مما يسلط الضوء على الضغوط المتزايدة التي فرضتها الشركات الصينية الناشئة.
ما يميز هذه المنافسة هو التكلفة المنخفضة والنماذج عالية الكفاءة التي تقدمها الشركات الصينية، والتي تقلل من تكاليف التشغيل بشكل كبير مقارنة بشركات التكنولوجيا العملاقة في الغرب.
حيث أن "ديب سيك" تعتمد على خوارزميات متقدمة في التعلم العميق لاستخراج الأنماط من البيانات غير المصنفة، بينما تحسن "علي بابا" نموذجها باستخدام شبكات التعلم العميق الموزعة.
لكن "ديب سيك" لا تهتم بحروب الأسعار التي تدور حولها الشركات الكبرى.
ففي تصريحات لمؤسسها ليانغ وينفينغ، أكد أن هدفهم هو تطوير "الذكاء الاصطناعي العام" القادر على التفوق على البشر في معظم المهام ذات القيمة الاقتصادية.
وهذا يتناقض مع نهج الشركات الكبرى التي تركز على زيادة الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة ذات التكلفة المرتفعة.
وفي المقابل، تظل الشركات الصينية مثل "علي بابا" و"بايت دانس" تسعى لتحسين النماذج الموجودة مع مراعاة احتياجات السوق المحلي والدولي.
ولكن هل ستتمكن هذه الشركات من منافسة عمالقة الذكاء الاصطناعي في المستقبل؟
هذه المنافسة الشرسة توضح بجلاء التحديات التي تواجهها الشركات الكبرى في ظل تسارع الابتكار وظهور شركات أصغر قادرة على تقديم حلول أكثر كفاءة وأقل تكلفة.
واليوم، تتغير قواعد اللعبة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يُتوقع أن تكون الشركات التي تحقق التوازن بين الكفاءة والتكلفة هي الرابحة.
مع استمرار هذا التنافس، يبقى التساؤل حول تأثيره على المستهلكين، في ظل المخاوف من أن تتحول بياناتهم الشخصية إلى سلعة تُستخدم في هذا الصراع التكنولوجي.
لهذا، نجد أن الابتكار في الذكاء الاصطناعي يجب أن يظل متوازنًا مع الحفاظ على الخصوصية وحماية البيانات الشخصية.
همسة أخيرة: قد يكون المستقبل ملكًا لأولئك الذين يستطيعون التوازن بين الأداء والتكلفة. لنهمس بصوت مرتفع إلى الدول العربية، أن الفرصة مواتية اليوم لبناء حلول تكنولوجية محلية تساهم في مسيرة التطور الرقمي، وتتنافس بقوة في هذا المجال المتغير.
فالابتكار لا يعترف بالحدود، ومجال الذكاء الاصطناعي اليوم هو ساحة جديدة للفرص.. وبالله التوفيق

