

محمد السويعي
بقلم: محمد السويعي
في الأشهر الأخيرة، بات واضحًا أن سباق الذكاء الاصطناعي لم يعد مقتصرًا على الشركات الأمريكية، حيث دخلت الصين بقوة إلى هذا المضمار من خلال نماذج متقدمة مثل (DeepSeek)، الذي أثار جدلًا واسعًا في الأوساط التقنية.
لم يكن هذا الاهتمام مفاجئًا، إذ يقدم النموذج الصيني أداءً منافسًا لأبرز النماذج الغربية، مثل (ChatGPT) من (OpenAI)، ولكن بتكلفة أقل بكثير. فقد أعلنت شركة (DeepSeek) أن تكلفة تدريب نموذجها بلغت حوالي 5.6 مليون دولار، وهو رقم متواضع مقارنةً بالمبالغ الضخمة التي استثمرتها الشركات الأمريكية في تطوير نماذجها، مما يعكس مدى التقدم السريع للصين في هذا المجال.
هذا التطور لم يمر دون تأثير على الأسواق العالمية، إذ تراجعت أسهم شركات تقنية كبرى، من بينها (Nvidia)، التي فقدت ما يقارب 600 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد. ويعزو محللون هذا التراجع إلى القلق المتزايد بشأن قدرة الصين على تقديم بدائل قوية للنماذج الأمريكية، ما قد يغير قواعد اللعبة في سوق الذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن هذه الأرقام تحتاج إلى تحليل أعمق، حيث إن انخفاض الأسهم قد يكون أيضًا مرتبطًا بعوامل اقتصادية أخرى مثل تقلبات السوق العالمية، وليس فقط بسبب ظهور المنافسة الصينية في هذا القطاع.
يرى البعض أن (DeepSeek) ليس مجرد إنجاز تقني، بل هو خطوة استراتيجية تعكس الطموح الصيني في الهيمنة على قطاع الذكاء الاصطناعي عالميًا.
الدكتور Eric Schmidt، الرئيس التنفيذي السابق لـ (Google)، حذر في تصريحات سابقة من أن الصين قد تلحق بالولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي خلال الخمس سنوات القادمة، معتبرًا أن المنافسة لم تعد قائمة فقط على الابتكار، بل تمتد إلى الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية.
في المقابل، يقلل البعض من شأن هذه المخاوف، حيث يعتقد Nick Bostrom، الباحث المتخصص في الذكاء الاصطناعي بجامعة (Oxford)، أن المنافسة الصينية ستعزز الابتكار عالميًا بدلاً من أن تشكل تهديدًا مباشرًا للشركات الغربية.
ويضيف أن الصين ما زالت تواجه تحديات في تطوير نماذج تفوق نظيراتها الأمريكية من حيث الجودة والتنوع اللغوي، خاصة فيما يتعلق باللغات غير الصينية، وهو ما يمنح النماذج الغربية بعض الأفضلية في الأسواق العالمية.
إلى جانب القدرة التنافسية لـ (DeepSeek)، أثيرت مخاوف متزايدة بشأن حماية بيانات المستخدمين. فمع تركيز العديد من الحكومات الغربية على تعزيز تشريعات الخصوصية، يواجه الذكاء الاصطناعي الصيني تحديات كبيرة فيما يتعلق بتوسعه في الأسواق العالمية. وفقًا لتقرير نشرته (New York Post)، فإن (DeepSeek) قد يخضع لقوانين البيانات الصينية، مما يعني إمكانية مشاركة بيانات المستخدمين مع الحكومة الصينية، وهو ما يثير قلق الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة وأوروبا.
وفي هذا السياق، أشار Geoffrey Hinton، أحد رواد الذكاء الاصطناعي، إلى أن المنافسة بين الشرق والغرب في هذا المجال ليست فقط منافسة تقنية، بل تتعلق أيضًا بالمعايير الأخلاقية والضوابط القانونية، ويؤكد أن الشركات الصينية ستكون مطالبة ببناء قدر أكبر من الشفافية لكسب ثقة المستخدمين العالميين.
وسط هذه التطورات، أعلنت شركة (Alibaba) الصينية عن إطلاق نموذجها الجديد (Qwen 2.5)، الذي وصفته بأنه الأقوى حتى الآن، متفوقًا على (DeepSeek-V3) المثير للاهتمام أن الإعلان عن هذا النموذج جاء في اليوم الأول من السنة القمرية الجديدة، الذي يعتبر عطلة رسمية في الصين ما يعكس مدى أهمية المنافسة المتصاعدة في السوق المحلية والعالمية.
وفقًا لوحدة الحوسبة السحابية التابعة لـ (Alibaba)، فإن (Qwen 2.5-Max) يتفوق في الأداء على نماذج مثل GPT-4 و DeepSeek-V3 وLlama-3.1-405B في جميع المجالات تقريبًا.
ويعتقد المحللون أن (Alibaba) تسعى لتأكيد حضورها كمنافس رئيسي ليس فقط للشركات الغربية، ولكن أيضًا للشركات الصينية الناشئة مثل (DeepSeek)، مما يضعها في موضع جديد داخل معادلة الذكاء الاصطناعي العالمي.
في ظل هذا السباق المحموم، يتوقع الخبراء أن يشهد العقد القادم تطورات دراماتيكية في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث ستحاول الشركات الأمريكية، مثل OpenAI و Google وMeta، الاستمرار في الهيمنة عبر تطوير نماذج أكثر ذكاءً، بينما ستركز الصين على تحسين كفاءة نماذجها وتعزيز قدرتها على التوسع عالميًا.
ومع تزايد المنافسة، من المرجح أن نشهد تقدمًا في تطوير نماذج أكثر كفاءة من حيث القدرة على التفاعل مع المستخدمين وتقديم حلول أكثر تطورًا.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الصين قادرة على التفوق على النماذج الغربية خارج نطاق سوقها المحلي، حيث يظل عامل الثقة في البيانات والتشريعات التنظيمية أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها الشركات الصينية في الأسواق الدولية.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه النماذج الصينية، فإن ظهور DeepSeek وQwen 2.5 يؤكد أن الهيمنة الغربية على الذكاء الاصطناعي لم تعد أمرًا مسلمًا به.
المستقبل يحمل الكثير من المفاجآت، وقد يكون التنافس بين الشركات الصينية والغربية هو المحفز الأكبر لثورة جديدة في عالم الذكاء الاصطناعي.

