

جيلان النهاري
بقلم : جيلان النهاري
أقر مجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأسبوع الماضي ميزانية الدولة 2025، والتي من قراءتها أشاد المحللون الاقتصاديون والمراقبون الماليون بالطموحات السعودية نحو إستمرارها مواصلتها التوسع في الإنفاق الاستراتيجي على المشاريع التنموية وفق الاستراتيجيات القطاعية وبرامج رؤية السعودية 2030 ومن أهداف هذا الإنفاق على المشروعات العملاقة هو تقليل اعتماد الاقتصاد الوطني على النفط.
في الأربعين السنة الماضية قبل برامج التحول الوطني ضمن رؤية السعودية 2030 والتي هي خطة ما بعد النفط للمملكة العربية السعودية والتي أُعلن عنها في 25 أبريل 2016م، كان إقتصاد بلادنا يمر متباينا بالتناوب ما بين صعود ومكاسب وفائض في الميزانية وبين عجز يحدث نتيجة الأحداث الإقتصادية التي يمر بها العالم خلال تلك السنوات الأربعين، ودائما ما تلجأ الدولة إلى اتخاذ قرارات الترشيد في المصروفات، مع إستمرارها والمضي قدما نحو إتمام مشاريعها وتوجيه كل ماتملك نحو البناء أولا في المواطن وثانيا وثالثا دعم مكانتها الاقتصادية والسياسية عالميا وداخليا، دون الإخلال بأهم ماتميزت به السعودية في سياستها الخارجية الإنسانية من الإنفاق الخيري في مساعدة الدول العربية والإسلامية الشقيقة والدول الصديقة.
كانت في الأربعين السنة الماضية تلجأ الوزارات الخدمية إلى ترشيد الإنفاق في بعض بنودها منها ترشيد بند التعيينات في أضيق الحدود، وحسب الحاجة، وكذلك في أضيق الحدود في عقود المشتريات والتشغيل والصيانة لمرافق الوزارات، وقد ساعد ذلك في توفير مئات الملايين لخزينة الدولة، مع وجود بعض السلبيات التي لحقت تلك الفترة في بعض مراحلها كتأخر بعض المشاريع الخدمية بشكل بسيط، وأيضا مع هذا كله كانت هناك صرفيات تم تبذيرها في الوزارات من خلال الإنفاق فيها لعدم الأخذ في الإعتبار بأهمية النظر إليها بشكل إقتصادي كبير بأنها أحد أسباب النخر وهدر الأموال في ميزانية أي وزارة في العالم، كالنثريات التي تصرف بشكل قد يراها المسئول غير مؤثرة، بينما لو تم تقديرها مع نهاية كل عام قد تصل للمئات من الملايين التي قد تضيف وفرة مالية إلى خزينة الدولة.
ومن أهم عوامل هدر المال العام، هو غياب المراقبة والمتابعة من متخصصين في المجال الذي يعني بالخدمة المقدمة.
فمثلا في المجال الصحي نجد أهم وأكبر هدر المال العام هو غياب المتخصص في مراقبة الأداء والاستخدام الأمثل للموارد لأي منشأة صحية تحظى بميزانية مستقلة خارج وزارة الصحة أو المنشآت الصحية التابعة لوزارة الصحة، رغم أننا لو تعمقنا لوجدنا أن هناك مسميات للجان فيها تحمل مثل هذه المسميات أو نفسها، ولكن دون تفعيل عملي يحقق كما ذكرت الهدف من إيجاد تلك اللجان بمسميات مراقبة الأداء والاستخدام الأمثل للموارد، ونعني هنا مراقبة الأداء الطبي في التشخيص الدقيق للحالات المرضية والتي قد تؤدي إلى طلب إجراءات غير مهمة للفحص والتي قد تكلف أموال يتم هدرها كطلبات بعض الأشعة والتحاليل وبعض قرارات العمليات التي ليس لها علاقة بحقيقة إحتياج الحالة المرضية، والأهم من ذلك أيضا إزدواجية وصف وصرف الأدوية خاصة إذا كانت هناك حالة مرضية تراجع أكثر من عيادة متخصصة، والملفت الأكبر هو مايحدث في الصيدليات القائمة بقراءة الوصفات وصرف الأدوية، وكيف لا يوجد هناك صيدلي متخصص يدرس ملاحظات ملف المريض العلاجي وجداول صرف الأدوية والتأكد من التشخيص وأحقية الطبيب المتخصص من وصف أدوية ليست من تخصصه الدقيق، أو حتى تكرار صرفها للمريض الواحد من أكثر من طبيب واحد ولمدد طويلة تتعدى الأشهر الثلاثة وخاصة ما يتم صرفه لحالات الأمراض المزمنة.
لو ركزنا على ذلك لتم العمل على الإستخدام الأمثل للموارد المالية وإحكام المصروفات في موضعها السليم، وتوفير مئات الملايين للمصروفات العلاجية، مع عدم الإخلال والتقصير في الوصول إلى خدمة صحية راقية، حيث من مراقبتنا للأنظمة الصحية في الدول المتقدمة في مراتب أهم وأفضل دول العالم في الخدمات الصحية لوجدنا أن أهم أسباب تقدمها هو مراقبة الأداء والاستخدام الأمثل للموارد.
ومن المؤكد أن ماذكرته كمثال في الخدمات الصحية والعلاجية والدوائية، ينسحب ذلك بالتخصص على اختلاف الموارد على مجالات التعليم والأمن العام والدفاع والتجارة والاتصالات والإستثمار والسياحة والبيئة والمياه كوزارات ذات حصص كبيرة في مشاريع ميزانية الدولة كل عام.

