عبدالغني بن محمد الزهراني

١١:١٣ ص-١٢ نوفمبر-٢٠٢٤

الكاتب : عبدالغني بن محمد الزهراني
التاريخ: ١١:١٣ ص-١٢ نوفمبر-٢٠٢٤       23815

الصّلح هو ازالة الخلاف بمعرفة أسبابه، وفض النزاع وغلق أبوابه، بعفوٍ يبتغي ثوابه وتسامحٍ يرجو بهِ حُسن منقلبه ومآبه، فيُبعِدُ بهِ اسبابَ الفساد بعلمٍ وحكمةٍ ورشاد وحلمٍ يُجنّبُ المتخاصمين العناد. 

واذا سمعَ جميع الأقوال سأل عن ما ينفع عنه السؤال، فيُزيلُ الإشكالَ بإنصافٍ واعتدال، فيُحقق بذلك الوفاق ويُدمحُ الشقاق. 

والصلح له أَنْواعٌ عدّة، عُرِفت وتناقلها الناسُ من مدّة؛ فمنها صلحٌ بينَ المسلمينَ وأهلِ الحربِ، وصلحٌ بينَ أهلِ العدلِ وأهلِ البغي، وصلحٌ بينَ الزَّوْجينِ إذَا خِيفَ الشِّقاقُ بينَهما و صلحٌ بينَ المُتخاصميْنِ فى الأَموالِ الى اخره مما ذكره الفقهاء. 

وأفرد الفقهاءُ لكلٍّ منها باباً من ابوابِ الفقه يتناولُ مسائلهُ واحكامه، و هو جائزٌ في اصلهِ والأصلُ في جوازه الكتاب و السنّة و آثار الصحابةِ و إجماعُ الأمّة، وأرجو من الله ان ينفع بمقالتي هذه كل من يقرأ حيثُ أنّي عجبتُ مؤخراً من مفاسدَ رأيتها، فكانت دافعاً لي للكتابة سائلاً الله الإصابة، ولدعواتيَ الإجابة وأن يجزيَ من أخطأ بالغفران والإنابة. 

فإنّ مما شاهدتُ من بعض الناسِ عند ارادتهِ الاصلاحَ بين طرفين (إغفالَهُ الأسبابَ التي نشأَ على اثرها الخلاف)، فبهذا قد يُجهل المظلوم من الظالم ، و المتعدي بالضررِ مِن المتضرر 

فهل يُعقل أن يَشرعَ الانسانُ في الاصلاحِ دونما نظرٍ الى الاسباب!، فهذا إن احسنّا الظن وقلنا انه لا يعلم المظلوم من الظالم؛ فكيف بمن يعرف الظالم و يقف للصلح وهو عالمٌ بظلمهِ دون أن يكفّهُ أو ينهاه!. 

لا شكّ انه لو عَلِمَ أنّ اقواماً لُعنوا بسبب تركهم التناهي عن المنكر لم يفكّر للحظه أن يسكتَ عن البيان ، قال تعالى {لُعِنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۢ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِیسَى ٱبۡنِ مَرۡیَمَۚ ذَ ٰ⁠لِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ ، كَانُوا۟ لَا یَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ} فقد ذمّهم على تركهم التناهي وسمّى تركهم فعلاً. 

وهل يعلمُ أن هذا التصرفَ مما نهى الله هذه الامّةَ عنه؟، حيث قال تعالى :{ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، فإنه يصبحُ بذلكَ طرفاً في الخصومة لأنَّهُ صارَ وَسيلةً إلى مَنْع ذي الحَقِّ من حَقِّه بدعوى الإصلاح. 

بل والانكى والاشد من ذلك اعانةُ الظالمِ على الاستمرارِ في ظلمهِ، فلمَ لا يُطالبُ الظالمُ بردِّ الحق؟، وفيمَ يتكالبُ الجميعُ على المظلومِ لتركِ حقهِ وقطعِ النزاع؟!. 

وإلى متى تحل المشاكل بالاحراج والخجل تارة، و برمي الشماغ و "بوسة الخشم" تارة، وبتكفى و طلبتك تارة، وتلكَ واللهِ من اسبابِ الافسادِ بين الناسِ و الخسارة. 

اذ انّا نساوي بين الظالمِ والمظلومِ بحجة "الصلح خير"، وهم في الحقيقة لا يستويان، فالصلحُ الصحيح لا يكونُ إلا بعدَ إظهارِ الحقّ ، فقد روى أبو هريرة، أَنَّ رسولَ الله ﷺ قال: «الصّلحُ بينَ المُسلمين جائزٌ، إلَّا صلحاً حرَّمَ حلالًا أَو أَحلَّ حرامًا». أخرجهُ الترْمذي

فمفهوم الحديث انهُ إن حرّم الحلالَ أو أحلَّ الحرام فإنهُ لا يجوز، ولو لم يُظهرِ الحقُ لأفضى ذلكَ الى تفْويتِ الحَقوق واستحلال الحرام وهذا منافٍ لمفهوم  الصلح  ومخالفٌ للقواعد الشرعية التي تحفظ للناس الحقوق، فالصلحُ مُعاقدةٌ يُتوصّلُ بها إلَى الإِصْلاحِ بينَ المختلفين. 

ومن ذلك أن يسدّ كل السُبُل التي قد تُعيدُ الاختلاف، ففي نظري انه قلّما أن يوجدَ اصلاحٌ وهناكَ اغفالٌ وهضمٌ للحقوقِ واخذٌ لها بالباطل، وإن وُجدَ فإنهُ لا يدوم، واللهُ تعالى اعلمُ و احكم.

بقلم :عبدالغني بن محمد الزهراني