

منى يوسف حمدان الغامدي
بقلم - منى يوسف الغامدي
في السادس عشر من أكتوبر كان موعدنا للاحتفال باليوم العالمي للمدير وطالعت الصحف اليومية كعادتي كل صباح ووجدت كلمات عن المدير الاستثنائي وتوقفت قليلا عند مسيرة حياتي المهنية والشخصية لأستحضر من ذاكرتي شخصيات عشت معها وتعلمت منها فنون الإدارة والقيادة الاستثنائية من الرجال والنساء في وطني .
وفي حياتي الخاصة كان والدي رحمه الله هو أول وأهم شخصية أثرت في وجداني وشكلت قيمي وتوجهاتي وعلاقاتي مع الآخرين في بيئة العمل الاحترافية بمعنى الكلمة، كنت أرصد عشقه لما يقدمه لوطنه في بيئة التعليم لتكون نموذجية على المستوى الإنساني والمهني والقيمي؛ لم يكن المعلم والمدير والقائد -يوسف عبدالله حمدان- كثير الكلام لكنه كبير جدا بأفعاله وسلوكه وإيمانه بدوره في الحياة ليضع بصمة لا تنسى؛ ليس في حياتي وحدي بل في حياة كل من عرفوه وعاشروه فكان ومازال حيا في قلوبنا ملهما شغوفا بالعلم والقيادة وستبقىمدرسته الإدارية مشرعة الأبواب ولن ينساه التاريخ ولن تغيب ذكراه؛ ستبقى صروح العلم تذكره وسيبقى أثره جليا واضحا في طلابه ومعلمين وزملاء عايشوا تلك المدرسة الإدارية المخلصة في عطائها وبذلها وعشقها للعلم والتعليم.
ثم عدت بذاكرتي لكل مدراء التعليم الذين عملت معهم بشكل مباشر وهيأوا لي فرصة تاريخية لتولي منصب قيادي وأوكلوا لي مهمة كبيرة في إدارة مشروع استثنائي حينها هو الأول من نوعه في تعليم البنات بمحافظة ينبع هو مشروع المدارس الرائدة وكان التكليف من سعادة المدير الاستثنائي بمعنى الكلمة الأستاذ القدير -حامد السلمي- والذي تعلمت في مدرسته مالم أتعلمه في كتب الإدارة والقيادة، كان لي معه مواقف تربوية لا تنسى ، وثقته التي أولاني إياها لتشكيل فريق العمل ووضع الخطط وكتابتها على الورق ثم ترجمتها لواقع عاشته مدارس البنات في ينبع وكانت نواة لمدارس تطوير وهي مسجلة للتاريخ في سجلات المنجزات التعليمية في تعليم ينبع ومازال الميدان يشهد بأثر هذا المدير وقيادته الفريدة من نوعها حتى بعد انتقاله إلى منطقة مكة المكرمة وإدارة التعليم فيها حتى تقاعد وترجل عن موقعه القيادي . لا زلت أدين له بالفضل بعد الله لأنه بكلماته التي حفرت في ذاكرتي استنهض همتي وعزيمتي كي أترجم العلم الذي مكنني منه من خلال المراجع والخبرات التي قدم بها إلينا من تعليم البنين إلى تعليم البنات وكيف علمني أن أوثق كل منجز تعليمي وكيف استثمر الطاقات والإمكانات المتاحة والفرص ومواجهة التحديات ومقاومة التغيير بفكر استشرافي معتدل وبهدوء الحكماء والمفكرين المؤمنين بأن الله يستعملنا في المواقع التي تحدث أثرا بعيد المدى. مهما تحدثت عن هذه الشخصية القيادية لن أوفيها حقها بكلماتي المتواضعة جدا لأنه قامة كبيرة لا تطولها مفردات لغوية مهما بلغت من البلاغة والفصاحة البيانية. أتذكر جيدا يوما من عملي الإشرافي في فترة الاختبارات كنت في قرية بعيدة وفي إحدى الهجر التي نصل إليها عبر طرق غير معبدة تأخرت سيارة الإدارة التعليمية عن الوصول لبيتي قبل الفجر حتى أنطلق في تلك الرحلة وتواصلت معه مباشرة فكان رده سريعا وتم حل مشكلة المواصلات وعند وصولي لمقر المدرسة ودخولي على مديرة المدرسة وجدتها ترد على اتصال هاتفي من قبل مدير التعليم ليطمئن على سير العمل وعلى وصول وفد من المشرفات الموكل لهن المتابعة الإشرافية؛ فقلت في نفسي أي مدير هذا؟ وكيف ينظم وقته ليتابع أدق التفاصيل في الميدان واستشعاره لعظم الأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتقه ؛ كم أغبط نفسي أن عملت معه وتحت قيادته، ولن أتوقف ما حييت عن ذكره واستمطار الدعوات له بأن يجزيه الله عنا وعن التعليم في وطني كل خير . سنرحل يوما عن مواقعنا ويبقى ذكرنا وسيسطر التاريخ ما قدمناه إن أحسنا فلأنفسنا وسنلقى الله به مع استشعار التقصير البشري لكن شفيعنا عند الله هو بذل قصارى الجهد وطلب العون دوما وأبدا من الله.
المدير الاستثنائي هو من يصنع الفرق وهو الذي يحمل في قلبه روح القيادة الحقيقية ويجسد أسمى معاني التفاني والإخلاص ، من ينزل الناس منازلهم، من يعطي كل ذي حق حقه ، ويثق في قدرات فريقه ويستكشف المواهب ويتيح لها الفرص لخدمة دينها ووطنها بعيدا عن المحاباة والأمور الشخصية . من يمتلك حسا وطنيا عاليا ويحارب كل فكر متطرف يدعو للتعصب المقيت أو التصنيف المريض أو الإقصاء لهوى في النفس ، المحك الحقيقي هو المصلحة العامة والثقة والتقدير المتبادل. يعرف جيدا كيف يستمع ، وكيف يحفز وكيف يجعل من كل تحد فرصة للتعلم والنمو. إنه ليس فقط قدوة في العمل ، بل أيضا في القيم الإنسانية ، يتعامل مع الجميع بلطف واحترام، ويحمل في قلبه الإيمان بقدرات كل فرد في فريقه، وبفضل هذا الإيمان يجعلنا نؤمن بأنفسنا أكثر، ويخلق بيئة عمل تشعرنا بالأمان والدعم إنهالمدير الذي يجمع بين الحكمة في اتخاذ القرار ، والقدرة على الإلهام القائد الذي لا يخشى مواجهة الصعاب ولكنه أيضا لا يتردد في مد يد العون عندما يحتاجها أحد أفراد فريقه يحقق التوازن بين الحزم والتفهم، ويعرف متى ينتقد ويثني بحب ورعاية
. رسالة شكر وعرفان لكل مدير استثنائي يساهم في بناء الفرق ويدفعنا لتحقيق أفضل ما لدينا ، أخص بالذكر رجال عظماء عملت تحت قيادتهم وكتبت عنهم في صفحات كتابي الأول صناعة المرأة القيادية برؤية مستقبلية بدءا من معالي الأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني السابق الأستاذ فيصل بن معمر ؛وسعادة محافظ ينبع السابق المهندس مساعد السليم ، وسعادة الدكتور بهجت جنيد مدير تعليم منطقة المدينة المنورة السابق ، والدكتور حاتم طه- رحمه الله -رئيس بلدية ينبع رئيس المراصد الحضرية بمنطقة المدينة المنورة، وسعادة الدكتور معجب الزهراني مدير تعليم ينبع السابق ، لكل منهم قدره ومكانته واحترامه وتقديره كانوا ومازالوا أصحاب مدرسة إدارية متميزة تليق بهذا الوطن الغالي.

