

اللواء ركن م -حسين محمد معلوي
بقلم - اللواء الركن متقاعد. حسين محمد معلوي
كنت ضمن الحاضرين لاحتفال احدى فعاليات مبادرة "اكابر" بمنطقة عسير بتاريخ ( ٢٤ محرم - ١٤٤٦ هـ الموافق ٣٠ يوليو ٢٠٢٤م ) تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير ، وكان الحاضرون في غالبيتهم من كبار السن ومن المتقاعدين العسكريين والمدنيين الذين خدموا بلادهم في مختلف المجالات والذين تواجدوا بدعوة من المنظمين في موقع الاحتفال باستراحة القوات الجوية ذات الإطلالة الجميلة من أعلى جبل الصحن بالواديين بمحافظة أحد رفيدة بمنطقة عسير.
ولعلني في البداية أشيد بمبادرة اكابر وبالقائمين عليها وعلى رأسهم رئيس المبادرة سمو الأمير تركي بن طلال وسعادة الأستاذ سعيد القاضي نائب رئيس المبادرة التي بدأت تؤتي ثمارها بجهود سموه وأعضاء المبادرة الفاعلين لتحقيق أهداف المبادرة بجهودهم وافكارهم . كان بجانبي أحد كبار السن الذي لا اعرف اسمه ويبدو عليه سمة الوقار والحكمة والهدوء والتأمل الإيجابي بعمق ، وعند تجاذبنا أطراف الحديث والفرق بين الماضي والحاضر في بلادنا ، لاحظت ان ذلك الرجل الثمانيني يجول بنظراته من ذلك المطل الذي نجلس فيه والمشرف على مدينة الواديين وقراها وهو يتأمل مناظر اللوحة الطبيعية الخلابة أمامه والتي رسمها الخالق جل في علاه وتتقاسمها أجواء غابت عنها الشمس بسبب الغيوم وسحر الطبيعه والنسيم العليل الممزوج برذاذ المطر الخفيف ومناظر القرى المتصلة ببعضها عمرانياً لتشكل مدينة الواديين.
كان ذلك الرجل الكبير ذو خلق وتواضع وينظر بتأمل في تلك اللوحة الإلهية الأخاذه ، وفي أثناء النقاش وتبادل الآراء وجدته كنز خبرة في معرفة تاريخ منطقة عسير بين الماضي والحاضر بل وتاريخ كل مناطق المملكة ادامها الله .. لقد تحدث لي ولمن حولي عن المعاناة التي كان يعانيها السكان في الماضي فيقول بأنه قبل حكم الملك عبدالعزيز كانت مناطق الحجاز وتهامه منفصلة عن غيرها من المناطق بسبب عدم وجود طرق او ممرات بين الجبال الشاهقة والسهول التهامية المنخفضة والشواطئ الساحلية على البحر الأحمر وإن وجدت فهي ممرات وعرة ومخيفه تكثر الهوات في منعطفاتها وتتواجد فيها الذئاب والسباع والنمور العربية التي تقتل الفرائس بما فيها الإنسان حتى ولو لم تكن جائعه لأنها وحوش لا تعرف الا القتل.
واستطرد ذلك الرجل قائلاً :- حتى التعليم لم يكن هناك تعليم أو خدمات صحيه واجتماعيه ، وكان الناس من أهل القرى يعتمدون على الزراعة وتربية الأبقار وبعض الأغنام بينما أهل البادية يعتمدون على تربية المواشي وخاصة الإبل والأغنام والماعز وكلا النشاطين أو المهنتين للحضر والبدو تتوقف تماماً في حالة عدم سقوط الأمطار والتي قد تمتد الى عام أو عامين ثم الى سنين عجاف فيصاب الناس بما يسمونه " الوقت او القحط " فتموت مواشيهم وتنهار زراعتهم ويدخلون في نطاق خطوط الفقر لتكون عناوين حياتهم ( الجوع والفقر والمرض والجهل والخوف ) لأنهم يعيشون في زمن اللادوله قبل حكم الملك عبدالعزيز رحمه الله.
ثم أردف قائلاً كان الناس يسكنون في قرى أو هجر متباعدة ومعزوله وفي العرف القبلي فإن كل قبيلة لها حدودها مع القبائل الأخرى ولا يسمح لأي قبيلة بالتواجد في مناطق قبائل اخرى الا مروراً وبإذن مسبق وهذا نادراً ما يحدث بل أن الفرد او الأفراد من اي قبيله لا يستطيعون عبور ديار او مرابع القبائل الأخرى الا بما يسمونه ( مْسَيِّر أو دليل ) " وهو شخص من نفس القبيله التي من خلال ارضها يتم العبور ومهمته أن يخبر من يعترض لهم بأنهم محميين وفي وجه فلان من القبيله " . حتى يخرجون من حدود القبيلة .
وفي نهاية حديث ذلك الرجل الهادئ و الوقور قال " أما اليوم فانظر ثم قارن " وسرد لنا الفروق الكبيرة بين الماضي والحاضر في مجالات كثيرة منها الطرق والاتصالات والأمن والصحة والتعليم والرواتب والاستقرار وتحكيم شرع الله والرخاء وغيرها مما لا يتسع هذا المقال لذكرها ، وهنا قررت أن اكتب هذا المقال بعنوان " انظر ثم قارن " آخذاً من حديثه محتوىً لهذا المقال.
وأضيف إلى ما قاله "إن علينا جميعاً أن ننظر إلى واقعنا كشعب سعودي حاليا ونقارنه بواقع مجتمعاتنا في زمن الأباء والأجداد فنجد أن واقعنا الحالي واقع آمن من الخوف والجوع والفقر والمرض ويعيش في رخاء وعدالة واطمئنان ، بعكس واقع الأجداد قبل حكم الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.
لقد كان واقع سكان البلاد السعودية الحالية في زمن ما قبل الملك عبدالعزيز واقع محزن وأليم عناوينه الثارات والغزو والسلب والنهب وقطع الطرق والجهل بالدين والفقر والعوز والخوف والأمراض حتى أن قطاع الطرق الذين يسمونهم بالحنشل يعتدون على حجاج بيت الله الحرام فيسلبونهم أو يقتلونهم لأن ذلك الزمن هو زمن اللادوله .. الذي كان الحكم فيه حكم القبائل وشيوخها وقضاتها الذين يسمونهم مقاطع الحق أو قضاة البدو " كما يسمونهم.
أثناء تبادل حديث النقاش مع ذلك الرجل المسن والوقور كان العمران والطرق وانوار الكهرباء في البيوت والطرقات تعطي منظراً جميلاً وخلاباً، وقد استشهد بها الرجل قائلاً في الماضي ما كنا نعرف غير لمبات القاز او الفوانيس والأتاريك فيما بعد وكلها تضيئ على القاز ( الكيروسين ) اما اليوم فانظروا امامكم لترون أن كل البيوت والشوارع مضاءة بالكهرباء !! ، وعند اختتامنا للنقاش أبرز لنا ذلك الرجل الكبير الكريم الفروقات الكبيرة بين الماضي والحاضر بشكل مفصل وربما انقل كل التفاصيل في مقالات قادمة ..
وختم ذلك الرجل المسن قائلاً ادعوا معي الله أن يحفظ لنا حكومتنا الرشيدة وولاة أمرنا الأخيار ثم قال " أن على كل من يفتخر بدينه وبوطنيته ووطنه أن يحمد الله على ما نحن فيه من النعم ".
ثم قال: "إن علينا جميعاً أن " ننظر ونقارن " لقد افترقنا من ذلك الرجل الكبير في سنة وخلقه وقدره وحكمته وبهاءه عندما انتهى الحفل".

