

عمر سيف
العمل الاجتماعي التطوعي وأدواره البارزة في خدمة المجتمع
يعد العمل الاجتماعي مهنة أساسها القيام على تعزيز التغيير الاجتماعي والتنمية، وتمكين الأفراد والجماعات والمجتمعات، وقد حظي باهتمام واعتراف دولي باعتباره مهنة إنسانية تعنى برفاهية الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية، مستندا إلى فلسفة تؤمن بكرامة الإنسان وقيمته وحقه في الحياة الكريمة. ويشار إلى أن العمل الاجتماعي يعد "منهجا من مناهج تنظيم المجتمع يهدف لإحداث التغيير الإيجابي بعيد المدى على مستوى الأفراد والمجتمعات والسياسات والمنظمات والمؤسسات لمواجهة المشكلات والحاجات المجتمعية والوقاية من التغيرات السلبية بهدف إعادة التوازن للمجتمع والتوزيع العادل للقوى والموارد بين سكان المجتمع بعدالة مع التركيز على تمكين الفئات المهمشة والمحرومة والفقراء والمرأة والطفل".
إن العمل الاجتماعي أداة قوية لإحداث التغيير من خلال تجميع الجهود ورفع الوعي وتمكين الأفراد في المجتمعات، ويستخدم للتعامل مع مشكلات المجتمعات المتنوعة والتي من بينها العدالة الاجتماعية والظلم والفساد والفقر والبطالة والتهميش وذلك من خلال تحقيق العدالة للجماعات والأقليات المحرومة والمهمشة مع مراعاة أن يتم ذلك وفق إطار تنظيمي رفيع المستوى وبمشاركة فئات المجتمع في سائر الجهود والقرارات التي تمس حياتهم، حيث إن مشاكل الأفراد وإن ظهرت فردية ولكنها في النهاية اجتماعية، مع الإدراك بأن هذا التصور يستمد شرعيته ومبرراته من فلسفة مهنة الخدمة الاجتماعية القائمة على الإيمان بضرورة الدفاع عن حقوق الإنسان وتحديدا الفئات المهمشة من خلال العمل الاجتماعي التشاركي.
ويمكن النظر إلى العمل الاجتماعي من عدة خطوط متوازية؛ أولها أنه ظاهرة اجتماعية تحقق الترابط والتاَلف والتآخي بين أفراد المجتمع حتى يكون كما وصفه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد كالحمى والسهر)، وثانيها أنه عمل إنساني مميز، فهو يضفي معنى خاصا على حياتنا، ويربطنا بالمجتمع على النحو المناسب، وعلى النحو الذي يعطينا دورنا البارز في المجتمع، يقول الحسن البصري رحمه الله :(لأن أقضي حاجة لأخ أحبّ إلى من أن أصلي ألف ركعة ولأن أقضي حاجة لأخٍ أحبّ إليّ من أن أعتكف شهرين)، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: (لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهرا أو جمعة أو ما شاء الله أّحبّ إليّ من حجة، ولّطّبقٌ بدرهم أُهديه إلى أخ لي في الله أحبّ إليّ من دينار أُنفقه في سبيل الله). وثالثها يبدو صعبا بدرجة كبيرة، لأن هذا العمل بقدر ما هو جميل وممتع، بقدر ما هو مليء بالمنغصات والنكد والناقدين أكثر من المشجعين، ويستدعي مجهودا مضاعفا وصبرا وثباتا إضافيا.
إن ديننا الحنيف لم يجعل العمل الاجتماعي مقتصرا على مجال المعاملات والعبادات فحسب، بل تعداها ليشمل مجال الخدمات الاجتماعية والإنسانية في عمومها؛ حيث إن روح ديننا السمحة حثت عليها ورغبت فيها، لما لها من أثر كبير على حياة الأفراد بشكل خاص، وعلى أمتنا الإسلامية بشكل عام، فنجد العمل الاجتماعي التطوعي يؤدي دورًا بارزا وهاما في رعاية المساكين، والأيتام، والأرامل، والمسنين، والمعوقين ؛ حيث كان لهم النصيب الأوفر من العمل الاجتماعي الذي يقوم به أهل الخير والمعروف، وقد تعددت صور العمل الاجتماعي في مجال الخدمة الاجتماعية بتعدد حاجات الناس، وتزايدت بتزايد رغباتهم. ومن هنا نجد قيادتنا الرشيدة أولت العمل الاجتماعي عنايتها الخاصة منذ تأسيس هذه الدولة المباركة، من خلال إنشاء المنظمات والمؤسسات الإنسانية والخيرية، ودعمها بالميزانيات المالية المناسبة، فالعلاقة بين المملكة العربية السعودية والعمل الخيري والإنساني علاقة متميزة ومتجذرة.

