الكاتب : النهار
التاريخ: ١١:٥٤ ص-١١ ابريل-٢٠٢٤       18975

استوقفتني كثيرا بعض العبارات التي يصف بها الأشخاص في تعليقاتهم على تلك الفترة التي تمثل فترة الانتقال من شهر رمضان لغيره ، وتخرجهم من طقوسه ، بعد أن خبت ضوؤه ، وغابت شمسه ، وأطفأ سراجه ، وأظلم ناموسه ، ودق جرس العيد ناقوسه ، فأيقظنا من حلم جميل ، ونحن بجهلنا ، وبتلك العبارات صورناه وكأنه كابوسا ، ( وأنا وللأسف منهم ) ، وذلك حين نجيب عمن يسألنا عن حالنا بالعيد بقولنا ، " وعدنا للحياة " ، أو " الان يستقر الوضع " ، أو "مرّ بسلام " ، وكأنه كان أزمة نترصد منها شرا ، ونتوقع ضرا ...

وليس ذاك مصيبا ، وهو في حقيقة الأمر لوصف رمضان معيبا ، بأن صوروه كئيبا ، وهو الحبيب من النفوس قريبا. 

فنحن والله معه كمن كان برحلة في صحراء الحياة ، وما زال يعاني من قسوتها ، ويشتكي شدتها ، ولا يداني صعوباتها ، ويطمع دوما برحمتها ، وها هو يمرُّ بواحة خضراء ، بها ظلٌّ وماء ، ونسيم عليل وصافي الهواء ، فيستظل بها من حر الهجير ، ويروي ظمأه ليقوَ على المسير ، ويجبر جسده الكسير ، ويتزود منه بما يعينه على ما كان ، وما له سيصير ، وهكذا هي الحياة ، وهكذا هو رمضان بها ، فمرورنا به وكأنها حنّت عليه ، واغتنامنا إياه خير انتصار بعد أن سلمتنا إليه. 

أو كمن كان برحلة في خضّم البحر مسارها ، فتارة تستقيم السفينة ، وأخرى تخرج عن مسارها ، وتتلاعب بها أمواج الحياة ، حتى تزعزع أركانها ، ويخور كيانها ، ويُكسر منارها ، فلا يعد يهتدي ربّانها ، ويعجز عن تحديد مكانها ، أو ضمان أمانها ، فجاء رمضان ، فهدأت تلك الرياح ، واستقرت السفينة على بحرٍ بَراح ، وهنأ راكبوها براحة ومراح ، وعادت لهم الأرواح ، وانتهت ظلمة ليلهم ، فقد أشرق برمضان الصباح ، وما إن انتهى وغادرناه ، حتى عاد الجميع للصياح ، ونتوقع ارتفاح النياح ، فلم يعد الأمن بمتاح ، وكأن قبطاننا نسي المهارة في القيادة والملاحة ، فهو اليوم ليس بملّاح ، ولن ينجو إلا من جمع من رمضان غنيمته ، وشحذ طاقته ، وعلت همتّه ، وكان ممن يجيدون في الحياة السباحة ، وهنا يكون النجاح ...

 

وهكذا هو حالنا مع رمضان والحياة بكل صراحة ، وبلا مزاح ...

فإن كانت الحياة أزمة ، فرمضان كان انفراجها ...

وإن كانت عاصفة ، فهو هدوؤها وجمع خراجها ...

وإن كانت رحلة ، فهو مستقرها و مستودعها ، ومحطة نتزود بها ليحلو لنا إنتاجها ...

وإن كانت حربا ، فهو هدنتها وإيقاف جولاتها ، وحقن دمائنا من سلاحها ، وبانتهائه سنعود لاستئنافها ، وإثارة عجاجها ...

 

فأحسنوا اختيار المفردات عند صوغ العبارات ...

ووظفوها توظيفا صحيحا في التعليقات ...

وانصفوا رمضان ، - وهيهات أن ننصفه هيهات - ...

فقد مضى ، وليته كان آت ...

فقد انتقلنا من سعة إلى ضيق ...

ومن برد وسلام ، إلى نار وحريق ..

وعاد إلينا الضغط والتخنيق ...

ودخلنا المتاهة من جديد ، وسنضيع بين تغريب وتشريق ، فلم نعد نعرف انتماءنا لأي فريق ، وسنرى ما يعجز العقل عن تحمله ، والقلب عن التصديق ...

وما كل ذلك بوصف رمضان يليق ..

 

فانظروا لكل شيء بمنظاره ، وضعوه في إطاره ، ولا تخرجوه عن مساره ، وتخرجوا العقل عن أطواره ، وتطيعوا الهوى بقضاء أوطاره ، فليس ذاك يليق بالأمر ومداره ، وكأنكم تخلطون بين جنة القلب وناره ، فلا تميزون بين دقاته التي تدل على زواله ، من تلك التي تشير لاستقراره ... 

فقد عادت الحرب لحياتكم ، فاستعدوا لها وهيؤوا القلب للذنب وحصاره ، والجسد في الشهوات سيكون إثاره .. ويا لعظيم الخسارة ...

@bentalnoor2005

الدكتورة : إيمان حماد الحماد

بنت النور