الكاتب : النهار السعودية
التاريخ: ٠٦ نوفمبر-٢٠٢٥       5775

بقلم - طارق محمود نواب

بعض الأسماء لا تمرّ في التاريخ مرور الكرام،
بل تُقيم فيه كمعالم خالدة، لا يبهت لونها، ولا تخفت بصمتها.
ومن بين هؤلاء الرجال الذين لا يُكرَّرون، يقف الدكتور غازي  القصيبي  شامخًا، متعدّد الملامح كالوطن نفسه.
كان رجلًا يكتب كما يقاتل، ويفكّر كما يبني، ويحبّ كما يؤمن.
جمع بين حزم الإدارة، ورهافة الشعر، وعمق الفكر، وأناقة الدبلوماسية.
في كل موقعٍ تبوأه، كان الدكتور غازي يترك بصمته الخاصة فكرةٌ تتحوّل إلى مشروع، وكلمةٌ تصبح واقعًا.
ولم يكن الدكتور  القصيبي  مجرّد وزيرٍ أو أديبٍ أو سفير،
فقد كان مشروع إنسانٍ كاملٍ أدرك أن الحضارة تُصنع بالقلم كما تُصنع بالقرار.
في وقته، لم يكن الشعر ترفًا، بل سلاحًا ناعمًا يُعيد للروح اتزانها،
ولم يكن المنصب وجاهة، بل مسؤولية تُترجم على الأرض فعلًا وإنجازًا.
وكان يرى في الوطن قصيدةً تُكتب بالعطاء، وفي الإنسان مشروعًا يستحق الاستثمار.
يتحدّث بلغةٍ لا تعرف التكلّف، ويصمت بصوتٍ يسمعه الجميع.
وحين يكتب، كانت كلماته أشبه بمرآةٍ ناطقة تعكس مزيج الحزم والرحمة.
واجه الهجوم بالفكر، والاختلاف بالأدب، والخصومة بالابتسامة التي لا تخون الثقة.
في رسائله، كان يُهذّب القلم ليُربّي الإنسان قبل أن يُعلّم الأبناء.
ومن يتأمّل شعره، يدرك أن الحروف حين تسكن قلب الدكتور غازي تتحوّل إلى وطنٍ مصغّرٍ نابضٍ بالعزة والكرامة.
ومن يتتبع مسيرته، يرى أن النجاح لم يكن عنده محطة، بل طريقًا لا ينتهي.
ففي كل أزمةٍ كان يطلّ منها على الناس برؤيةٍ تسبق زمانها، وجرأةٍ تغلفها الحكمة.
غاب الجسد، وبقي الفكر متّقدًا،
وبقي صدى الدكتور غازي  القصيبي  يعلّمنا أن الطموح لا يُورَّث بالكلمات،
بل يُغرس في السلوك والوجدان.
فالحياة عنده لم تكن سباقًا إلى المنصب، بل رحلةً إلى المعنى.
فذلك هو الدكتور غازي القصيبي…
مدرسة القيادة، والفكر، والإنسان،
الرجل الذي كتب نفسه في ذاكرة الوطن،
وغادر قبل أن يُكرّره أحد.
رحمك الله يا أبا سهيل، وجعل مقامك في عليين.