الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٥ نوفمبر-٢٠٢٥       10615

بقلم - أ.تركي عبدالرحمن البلادي 

تترقب الأوساط السياسية والاقتصادية والإعلامية على مستوى العالم الزيارة المرتقبة لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وتأتي هذه الزيارة في مرحلة دولية شديدة الحساسية، تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية مع التحولات السياسية، وتتشكل خلالها موازين قوى جديدة في النظام العالمي.

وبذلك، فإن الزيارة ليست مجرد حدث دبلوماسي عابر، بل هي محطة تحمل في طياتها الكثير من الرسائل والملفات الاستراتيجية التي سيكون لها أثر مباشر في رسم مستقبل الإقليم والعالم.

منذ إطلاق رؤية السعودية 2030، برزت المملكة كقوة اقتصادية صاعدة تتجه بثبات نحو تنويع مصادر الدخل الوطني وتوسيع نفوذها الدولي عبر شراكات مدروسة وناضجة.

هذه الرؤية التي يقودها الأمير محمد بن سلمان وضعت المملكة على مسار تنموي جديد يعتمد على الابتكار والتقنية وفتح الأسواق، ولم تعد العلاقة مع الولايات المتحدة – أو غيرها من القوى الكبرى – قائمة على معادلة النفط مقابل الأمن، بل باتت علاقة تقوم على شراكة متكافئة ومصالح مشتركة تعكس قوة المملكة الحقيقية ومكانتها في العالم.

ومن المنتظر أن تشهد الزيارة بحث ملفات اقتصادية كبرى، حيث تمتلك المملكة اليوم أحد أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، وتطرح فرصًا استثمارية واسعة في قطاعات الطاقة المستدامة، والسياحة، والفضاء، والصناعات الدفاعية، والتقنية. وفي المقابل، تدرك الولايات المتحدة أن السوق السعودية أصبحت بيئة عالمية جاذبة للشركات الكبرى والمبتكرة.

وعليه، يسعى الطرفان إلى بناء اقتصاد معرفي مشترك قائم على نقل وتوطين التقنية وتطوير الصناعات بدلاً من مجرد التبادل التجاري التقليدي.

وفي ملف الطاقة، سيبرز الحديث حول استقرار أسواق النفط العالمية، والتعاون في تطوير مصادر الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر.

فالسعودية اليوم أصبحت لاعبًا محوريًا في صياغة معادلات الطاقة الجديدة، بما يضمن توازن المصالح الدولية ويحمي النمو الاقتصادي العالمي.

كما تشير تقديرات مراكز التحليل الدفاعي إلى احتمال مناقشة صفقات عسكرية نوعية خلال الزيارة، تتناسب مع مكانة المملكة ودورها الإقليمي والدولي.

هذه الصفقات لا يُنظر إليها بوصفها مجرد توريد أسلحة، بل كجزء من مشروع استراتيجي لتوطين الصناعات العسكرية وتعزيز قدرات الردع الإقليمي.

وقد تشمل الصفقات أنظمة دفاع جوي متقدمة، وتقنيات طائرات مسيّرة عالية الدقة، ومنصات قيادة وسيطرة إلكترونية ذكية، بما يعزز جاهزية القوات المسلحة السعودية ويواكب التطور العسكري العالمي.

المملكة لم تعد تستهدف امتلاك القوة للدفاع فقط، بل تسعى إلى صناعة القوة وبنائها داخل الوطن من خلال نقل التقنية وتطوير خبرات بشرية سعودية قادرة على الابتكار والإنتاج.

سياسيًا، تحظى الزيارة بأهمية خاصة نظراً لكون المملكة طرفًا مؤثرًا في ملفات الشرق الأوسط، من الخليج إلى البحر الأحمر وصولًا إلى شمال أفريقيا.

وقد أثبتت المملكة خلال السنوات الأخيرة قدرتها على إدارة الحوار الإقليمي وتهدئة التوترات وإعادة صياغة العلاقات مع دول كانت تعيش خلافات طويلة.

ومن المتوقع كذلك أن تناقش الزيارة ملفات الأمن الإقليمي، وأمن الممرات البحرية، ودعم الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة.

وتكتسب الزيارة بعدًا رمزيًا مهمًا، فهي تعكس تحول المملكة إلى دولة مستقلة القرار ذات تأثير عالمي.

لقد أصبحت المملكة اليوم دولة تصنع السياسة ولا تكتفي بردّ الفعل، وتبني التحالفات وفق مصالحها ورؤيتها، لا وفق ما يُفرض عليها.

ختامًا، فإن زيارة ولي العهد لأمريكا تمثل خطوة استراتيجية في مسار طويل من إعادة تشكيل دور المملكة في العالم.

إنها ليست حدثًا دبلوماسيًا فحسب، بل رسالة إلى العالم مفادها أن السعودية تملك مشروعًا ورؤية وقوة قادرة على العبور نحو المستقبل بثقة.