بقلم - عيسى المزمومي
حين تولى الأمير محمد بن سلمان مسؤولياته الكبرى في مرحلة مفصلية من تاريخ المملكة، كان المشهد الإقليمي مضطربًا، والاقتصاد العالمي متقلبًا، وأسواق النفط تمر بتحديات حادة، فيما كانت المنطقة العربية تعيش أزمنة غير مستقرة سياسيًا وأمنيًا.
لكن سموه لم ينظر إلى هذه التحديات بعين الخوف أو التردد، بل بعين العقل الواعي والإرادة الصلبة!
لقد أدرك أن الزمن لا يرحم من يتأخر، وأن القائد الحقيقي هو من يصنع المسار، لا من ينتظر وضوح الطريق.
يطل الأمير محمد بن سلمان، لا كسياسي يخطط للمستقبل فحسب، بل كمفكر في فلسفة الدولة ووجودها، وكعقل يتأمل جوهر التحول قبل أن يصنعه، فيجعل من السياسة فنًا للعطاء، ومن القيادة فعلًا إنسانيًا يوقظ الوعي قبل أن يحرك الاقتصاد.
عندما أطلق الأمير محمد بن سلمان رؤية المملكة 2030، لم تكن الرؤية مجرد وثيقة اقتصادية أو خطة إدارية، بل كانت بيانًا فلسفيًا لنهضة الوعي الوطني. فقد أراد من خلالها أن يُعيد تعريف مفهوم الدولة الحديثة؛ لا بوصفها سلطة تُدار من الأعلى، بل بوصفها كائنًا حيًا ينمو من وعي الإنسان نفسه.
لقد فهم أن النهضة لا تبدأ من النفط أو المال، بل من العقل والإرادة والإيمان بالذات، لذلك جعل من المواطن نقطة الانطلاق والغاية معًا.
إن الرؤية، في جوهرها، فكر عن الحرية والإبداع والمسؤولية، تعيد للإنسان دوره الفاعل في صياغة المصير الوطني، لا بوصفه تابعًا، بل شريكًا في بناء الحلم!
في فلسفة الأمير محمد بن سلمان، يحتل الإنسان موقع القلب من جسد التنمية. فكل إصلاح اقتصادي أو اجتماعي، في نظره، لا معنى له إن لم يُفضِ إلى تحرير الإنسان من قيوده، وتحرير طاقاته من الخوف والعجز.
لقد آمن بأن الأمم لا تُبنى بالأنظمة فقط، بل بالعقول التي تتغذى على الأمل والثقة.
ولهذا، لم يكن اهتمامه بتطوير الاقتصاد معزولًا عن اهتمامه برفع جودة الحياة، وتمكين المرأة، وخلق بيئة ثقافية حرة تنسجم مع روح العصر، دون أن تفقد جذورها من الهوية السعودية الراسخة.
العطاء في فكر الأمير محمد بن سلمان ليس عملًا مؤسساتيًا فحسب، بل هو تعبير عن فلسفة القيادة ذاتها. فالقائد الحقيقي في رؤيته لا يقاس بعدد القرارات التي يصدرها، بل بكم الخير الذي يتركه في حياة الناس.
من هنا، تحولت المملكة في عهده إلى منصة إنسانية عالمية تمتد يدها إلى الشعوب المتضررة في كل مكان، دعمًا ومساندةً ومشاركةً في صناعة السلام. العطاء هنا ليس صدقة سياسية، بل لغة أخلاقية تعيد تعريف القوة؛ فالقوة بلا رحمة طغيان، والسياسة بلا إنسانية فراغ روحي!
في مشروعه المستقبلي، لا ينظر الأمير محمد بن سلمان إلى التكنولوجيا كغاية في ذاتها، بل كوسيلة لتكريس وعي جديد بالإنسان والزمان والمكان.
فمشروعات مثل "نيوم" ليست مجرد مدن ذكية تُدار بالخوارزميات، بل هي نموذج فلسفي لحياة متصالحة مع المستقبل؛ حيث يلتقي الذكاء الاصطناعي مع الحكمة الإنسانية في مشهد يُعيد ترتيب علاقة الإنسان بالعلم والطبيعة.
بهذا الفكر، تصبح التقنية ليست أداة سيطرة، بل جسرًا نحو التوازن بين الإنسان والمعرفة.
جوهر الإصلاح الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان ليس في تغيير الهياكل فحسب، بل في تحرير العقول من خوفها من التغيير. لقد أدرك أن المجتمعات لا تنهض بالأوامر، بل بالإيمان الجماعي بأن المستقبل ممكن.
من هنا، كانت فلسفته قائمة على كسر الجمود دون المساس بالأصالة، وعلى بناء التقدم دون التفريط بالهوية.
وهكذا وُلدت معادلة نادرة تجمع بين الثابت والمتجدد، بين جذور التاريخ وفضاءات الحلم.
إن الأمير محمد بن سلمان ليس قائدًا سياسيًا بالمعنى الضيق للكلمة، بل هو ظاهرة فكرية وحضارية تعبّر عن تحوّل عميق في وعي الأمة بذاتها.
هو يُعيد إلى السياسة معناها النبيل، ويجعل من العطاء فعل حب يتجاوز حدود الجغرافيا، ومن القيادة رسالة إنسانية تستمد مشروعيتها من العدل والعمل والإيمان بالإنسان.
لقد صنع الأمير من الحلم واقعًا، ومن الرؤية فلسفة، ومن السياسة إنسانيةً تنبض بالحياة.
إنه بحق أيقونة السياسة والعطاء والإنسانية، وصوت المستقبل الذي يهمس في أذن العالم: "إن الإنسان حين يؤمن بقدراته، يصبح هو المعجزة التي ينتظرها الكون"!