

بقلم: المحامي الدكتور سعود عقل
يشهد قطاع المحاماة اليوم تحولاً غير مسبوق بفعل الثورة الرقمية. فالأنظمة القضائية، والمكاتب القانونية، وحتى أسلوب تواصل المحامي مع موكليه، لم تعد كما كانت قبل عقدين. غير أن هذا التطور لا يخلو من تحديات معقدة تتطلب استعداداً ومهارات جديدة.
أبدأ بالتحديات:
1. التحول نحو الرقمنة في الإجراءات القضائية
أصبحت كثير من المحاكم في العالم تعتمد على التقاضي الإلكتروني كما هو في السعودية و في دولة الإمارات أو فرنسا حيث يمكن رفع الدعوى ومتابعتها عبر منصات رقمية. هذا التطور رغم أهميته، يشكّل عبئاً على المحامي الذي يحتاج إلى إتقان استخدام هذه المنصات وتجنب أي خطأ تقني قد يؤدي إلى ضياع فرصة الدفاع.
2. أمن المعلومات وحماية الخصوصية:
مثال ذلك: قضايا الاختراق التي طالت مكاتب محاماة كبرى في الولايات المتحدة عام 2016، حين سُرّبت عقود ضخمة عبر الإنترنت. المحامي اليوم مطالب بتعزيز أنظمة الحماية الإلكترونية ليضمن سرية ملفات عملائه.
3. الذكاء الاصطناعي كمنافس جديد:
برامج في كندا وفي بريطانيا، صارت قادرة على تحليل آلاف الصفحات القانونية خلال دقائق. هذا يثير تساؤلاً: هل يمكن أن يحلّ الذكاء الاصطناعي محل المحامي؟ التحدي يكمن في أن يثبت المحامي قيمة "الحكم البشري" والتقدير القانوني الذي لا تستطيع الآلة تقديمه.
4. تشريعات الجرائم الإلكترونية والفضاء الرقمي:
على سبيل المثال، ازدياد قضايا الاحتيال الإلكتروني وغسل الأموال عبر العملات الرقمية مثل "بيتكوين"، فرض على المحامين مواكبة قوانين حديثة في مجالات لم تكن موجودة قبل سنوات قليلة.
5. وفرة المعلومات وصعوبة التحقق:
توفر قواعد بيانات قانونية عالمية ثروة معرفية هائلة، لكن خطر الاعتماد على مصادر غير دقيقة أو قديمة يجعل مسؤولية المحامي أكبر في التحقق والتدقيق.
أنتقل إلى كيفية التعامل مع هذه التحديات:
1. التدريب المستمر وتطوير المهارات الرقمية
كثير من نقابات المحامين باتت توفر ورش عمل في الأمن السيبراني أو التعامل مع قواعد البيانات، مثل نقابة المحامين في بريطانيا التي تُلزم المحامي بدورات دورية.
2. تعزيز حماية البيانات
عبر تطبيق تشفير الوثائق واستخدام التخزين المحلي الآمن، أو الاستعانة بخدمات سحابية متخصصة في القانون. وهذا يقلل من خطر الاختراق.
3. التكامل مع الذكاء الاصطناعي
بدلاً من رفض الذكاء الاصطناعي، يمكن استثماره في الأعمال الروتينية مثل فرز الوثائق أو مقارنة العقود، ليتفرغ المحامي للمهام الاستراتيجية كالتفاوض والإقناع أمام القضاء.
4. المتابعة التشريعية المستمرة
يتعين على المحامي متابعة تحديثات القوانين في الجرائم الإلكترونية، الملكية الفكرية، والتجارة عبر الإنترنت، لأن هذه المجالات في تطور دائم، وأي إغفال قد يؤثر على جودة الدفاع.
5. إدارة المصادر بذكاء
استخدام أدوات تنظيم المعلومات، مثل برامج إدارة الوثائق القانونية، يساعد على توفير الوقت وتجنب الغرق وسط المعلومات الرقمية المتضخمة.
في الختام، فالتكنولوجيا لم تعد خيارًا للمحامي، بل واقعاً يفرض نفسه. والتحدي ليس في مقاومتها، بل في تطويعها لخدمة العدالة مع المحافظة على المبادئ الإنسانية للمهنة. إن المحامي الذي ينجح في المزاوجة بين العلم القانوني العميق والمهارة التقنية الحديثة، سيكون قادراً على مواكبة المستقبل دون أن يفقد دوره الجوهري في حماية الحقوق وإرساء العدل.

