

بقلم: سهام ورقنجي
في عزّ الصيف حين يتصبب العالم عرقًا تحت قبضة الشمس تفتح عسير نافذة سرية على فصل آخر.
هناك بين الجبال المكللة بالخضرة يتهادى الغيم وكأنه يسير على أطراف أصابعه يقترب من الأرض حتى يلمس خدودها ثم يسكب عليها المطر كما يسكب الشاعر قلبه على ورقة بيضاء.
المطر هنا ليس طارئًا ولا عابرًا؛ إنه جزء من إيقاع المكان.
يسقط على السطوح الحجرية فيوقظ رائحة الطين وينثر البرد على السفوح كحبات لؤلؤ في عقد أخضر.
والضباب هذا الكائن الحالم يتسلل بين الممرات الضيقة يلامس جدران البيوت العتيقة ويغمرها في عناق طويل كأنه يحرس أسرارها من أعين العابرين.
في عسير الأمسيات لا تبدأ بانطفاء الشمس بل بولادة المشهد الجديد.
تنصت للريح وهي تحاور المزاريب وتراقب المطر وهو يعيد رسم الطرقات بخطوط لامعة وتستنشق عبق الأرض وقد اغتسلت للتو.
هنا للوقت مذاق آخر وللألوان نبرة أعمق وللحياة إيقاع أكثر بطئًا لكنه أكثر امتلاءً.
أهل عسير يعرفون أن الجمال ليس في المنظر وحده بل في الروح التي تسكنه.
لذلك تجد دفء البيوت أقوى من برودة الطقس وتجد ابتساماتهم أصدق من ضوء النهار.
يقيمون أفراحهم الصغيرة في حضن الغيم ويتركون أبوابهم مشرعة كقلوبهم فلا يكون الضيف غريبًا ولا يكون المطر ضيفًا أصلاً بل فردًا من العائلة.
وعندما تغادر عسير تحمل معك شيئًا لا يمكنك وصفه تمامًا.
قد يكون نسمة من هواءها البارد أو ظل جبل يرافقك في الذاكرة أو صوت مطر يتكرر في قلبك. وربما تدرك – متأخرًا – أن هذه الأرض ليست مجرد مكان بل قصيدة تمطر في قلب الصيف وتزهر كلما مرّت الغيوم
@sehamwargangy

