

بقلم: د. طارق بن حزام
إياك أن تستهين بالكلمة، فربّ كلمةٍ أحيت قلبًا وربّ أخرى أشعلت حربًا، الكلمة التي وُجدت لتكون سراجًا يُضيء درب الفهم تتحول أحيانًا إلى شرارة تُشعل نيران الحقد، إنه خطاب الكراهية، ذاك الصوت الخفي الذي يتسلل بين السطور، فيسمّم العقول، ويحرّض القلوب، ويزرع في المجتمعات أشواك التنافر والتناحر. حين تتكلم الكراهية يصمت العقل، ويغيب الضمير، وتُصبح الحقيقة ضحيةً في معركةٍ بلا أخلاق.
لقد ظهر في الآونة الأخيرة مصطلح خطاب الكراهية بشكل كبير، وتنامت فحواه في المجتمعات المنغلقة القائمة على الأنا الجمعيّة بتعدد أشكالها المذهبيّة، والطائفيّة، والقبليّة، والمناطقيّة، والأيدلوجيّة، والعشائريّة.
وفي ظل ظروف معينة تتسع كراهية الخطاب، في وقتٍ أصبحت فيه المجتمعات الإلكترونية الكثيرة بيئة خصبة لهواة الشهرة المنغمسة بالحقد ونبذ الآخر.
إلا أن هذه الحرية الرقمية تنطوي عليها أيضًا العديد من المخاطر، أبرزها نشر خطابات الكراهية، والمحتوى العنصري، والتحريض على العنف، وتضخيم ونشر هذه الرسائل والأفكار في وسائل التواصل الاجتماعي بطرق لم تكن ممكنة من قبل.
أصبح الكثير من معتنقي الكراهية وكلاء حرب يخوضون معارك مفتوحة في ساحات مواقع الاقتتال الاجتماعي، ولتصبح مقاتلاً عصريًا، لن يكلّفك الأمر شيئاً، فقط اشحن قلبك بالحقد، ارفض الآخر بشدّة، واحفظ عددًا من الألفاظ الشوفينية.
في ظل هذا الفضاء الإلكتروني الذي خلق حرية مطلقة بلا ضوابط أخلاقيّة وقوانين رادعة، ولمحاربة هذه الظاهرة، يجب أن يتكاتف الجميع حولها من مؤسسات الدول إلى المجتمع المدني والإدارات الأهليّة، إضافة إلى الإعلام الذي له دور إيجابي في صناعة رأي عام ضد خطاب الكراهية ومحاربته حتى تصل إلى مرحلة يقتنع الجميع أن لا فائدة من الترويج لهذا الخطاب الضار القمئ.
وإليكم هذه الخطوات التي قد تقلل من خطورة هذا الداء:
- بالتربية الواعية: نُعلم أبناءنا أن الاختلاف لا يعني التهديد، وأن التنوع ليس خطرًا بل رحمة، وأن الدين لا يُختزل في الكراهية بل في الرحمة والتسامح.
- بسنّ القوانين: يجب أن يُجرّم خطاب الكراهية بشكل واضح في التشريعات دون التعدّي على حرية الرأي المتزنة.
- لا يكفي أن نُدين الكراهية، بل يجب أن نبني خطاب المحبة والتقارب والتعايش، ونُعلي من صوت العقل والحكمة.
- نُراجع كلماتنا ومنشوراتنا وأحاديثنا العفوية، فقد نكون شركاء في نشر الكراهية دون وعي.
خطاب الكراهية قد يُلحق نوعًا من الأذى النفسي بالمستهدف، ويساهم في تعزيز نطاق التهميش اجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا، لذا يجب الاعتراف بخطورته بكل أنواعه، والعمل على تأمين الحماية الكافية لحقوق الإنسان.

