

عبدالله الكناني
بقلم: عبدالله الكناني
لم تكن السياسة السعودية يومًا مجرد ردة فعل آنية، ولا موقفًا دبلوماسيًا عابرًا، بل هي مشروع استراتيجي متكامل، يقرأ اللحظة، ويستشرف المستقبل، ويرسم للمحيط الإقليمي والدولي مساراتٍ متوازنة نحو الاستقرار والتكامل والتنمية.
وفي زمنٍ تتزايد فيه التحديات وتتشابك فيه الأزمات، اختارت المملكة العربية السعودية أن تكون بوابة التحوّلات العميقة، ومركزًا للموثوقية العالمية، وراعيةً لقيم العقلانية السياسية التي تتجاوز النزاعات العابرة، لتصنع مستقبلًا قائمًا على التوازن والاحترام المتبادل، والفرص المشتركة.
فبقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –أيّده الله–، وبتجسيد محوري من سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان –يحفظه الله–، الذي بلور رؤية السعودية 2030 كمشروع وطني طموح يتجاوز حدود الداخل، ويُعيد تعريف التفاعل مع العالم؛ أصبحت المملكة قوة فاعلة، ومركز جذب دبلوماسي واقتصادي، ومرجعية إقليمية لنهج يربط السلام بالتنمية، ويزاوج بين المصالح الوطنية والمصلحة الإنسانية.
سوريا… عودة الصوت من بين أنقاض الصمت
الموقف السعودي من الملف السوري شكّل نقطة تحوّل بارزة في المشهد الإقليمي؛ فبعد سنوات من الغياب العربي والغموض الدولي، جاءت المبادرة السعودية لإعادة سوريا إلى محيطها العربي، ليس كموقف رمزي، بل كقناعة راسخة بأن الاستقرار لا يتحقق بالعزلة، والتنمية لا تُبنى على الهامش.
وقد بدأ المجتمع الدولي، تباعًا، في تخفيف العقوبات، وتمهيد الطريق أمام عملية إعادة الإعمار والبناء، ضمن مناخ سياسي أكثر توازنًا.
وكان الدور السعودي حاضرًا وفعّالًا، ليس فقط في صياغة الموقف، بل في تحريكه، وتوفير الغطاء السياسي العربي له.
فلسطين… من التجاهل إلى الاعتراف بثبات الحق
وفي سياق متصل، جاء اعتراف فرنسا –الدولة الدائمة في مجلس الأمن– بدولة فلسطين كخطوة رمزية ذات أبعاد استراتيجية، تُعيد الزخم الدولي إلى القضية الفلسطينية، وتُعزز حقّها في التمثيل والكيان.
هذا الاعتراف لم يكن معزولًا عن الحراك الدبلوماسي العربي المتنامي، بل جاء في سياق موجة من التأييد الدولي تُغذّيها رؤية سعودية عقلانية، ترى أن قضية فلسطين لا تُختزل في الشعارات، بل تُستعاد عبر العمل المنهجي، والتحرك الذكي، والتحالفات المؤثرة.
القطار يمضي… والمملكة تقوده لا تلاحقه
من دمشق إلى رام الله، ومن الخليج إلى شرق آسيا، يتضح جليًا أن المملكة لا تكتفي برصد التحولات، بل تُشارك في صناعتها.
فهي اليوم تساهم في إعادة تشكيل النظام الإقليمي بما يربط بين السياسة والاقتصاد، وبين المصالح والاستقرار، وبين المبادئ والتأثير الواقعي.
ولأن التحولات العميقة لا يقودها إلا من يملك الرؤية والقرار والثقل السياسي، اجتمعت هذه الأركان الثلاثة في الرياض.
فلم تراهن على الاستقطاب، بل على الاندماج العربي والإسلامي والإنساني، وها هي النتائج تترسخ:
دول تعود إلى الفعل من بعد الغياب، وقضايا تُستعاد إلى الطاولة من بعد تهميش، ومشهد إقليمي جديد يولد برعاية لا يمكن إنكارها، حتى من كبرى القوى العالمية.
صنع السلام
الرياض اليوم ليست مجرّد عاصمة، بل عقلٌ استراتيجي يدير التوازنات، وينسّق الفرص، ويؤمن بأن من يصنع السلام لا يقل بطولةً عن من يصنع النهضة.
وفي عالم تتغير فيه المعادلات، تثبت المملكة أن من يبني وطنه بثقة، قادر على إلهام الآخرين بكيفية بناء الأوطان، وتحقيق التقدم بمعادلة تنموية وسلمية واقعية.

