




بقلم: سميرة بنت حسين الثقفي
يشهد موسم حج 1446هـ تحوّلًا جذريًا في أساليب إدارة الحشود والخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، من خلال تطبيقات “الحج الرقمي” التي باتت تشكّل نموذجًا عالميًا يُحتذى به في تسخير التقنية والذكاء الاصطناعي لخدمة الشعائر الدينية، وتحقيق السهولة والأمان والشفافية في كل مراحل الرحلة الإيمانية.
التحول الرقمي في منظومة الحج
1. البنية التحتية الرقمية والاتصال الذكي
في موسم حج 1446هـ (2025م):
كشفت هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية عن تغطية شاملة لشبكات الجيل الرابع والخامس بنسبة تزيد عن 99% في مكة، المدينة والمشاعر المقدسة، مدعومةً بأكثر من 10,500 نقطة وايفاي موزّعة لتحقيق تجربة اتصالية فائقة تنفيذاً لاستراتيجيات “الخطة الوطنية لتمكين شبكات الاتصالات وتقنية المعلومات” .
أفادت تقارير أن stc سجلت في مشعر عرفات أعلى نسب استخدام للجيل الخامس، مع زيادة في حركة البيانات تجاوزت 98% مقارنة بالعام السابق، مدعومة بأكثر من 80 عربة اتصالات متنقلة (COWs) و1000 نقطة وايفاي إضافية، لتعزيز جودة الشبكة في المواقع ذات الكثافة العالية .
صرّحت الهيئة كذلك عن أداء استثنائي في يوم عرفة، حيث بلغت سرعة الإنترنت المتنقل 288 ميجابت/ثانية في المتوسط، مع تسجيل أكثر من 18 مليون مكالمة صوتية محلية ودولية خلال يوم عرفة فقط.
2. ️ إدارة الحشود والمراقبة الذكية
في موسم حج 1446هـ (موسم 2025)، استُخدمت طائرات بدون طيار (درون) بنظام الدرون الذكية أو Saqr لمراقبة الحشود في المشاعر المقدسة. هذه الطائرات تكشف أماكن الكثافة والتكدس في الساحات مباشرةً، وترفع البيانات إلى أنظمة تحليل بلحظية تمكّن الجهات المختصة من اتخاذ قرارات فورية لتنظيم الحركة ومنع حدوث تدافع .
تعزيزًا لهذا النظام، أطلقت “سدايا” وأنشأت منصة “بصير” الذكية، والتي تعتمد على تقنيات رؤية حاسوبية متقدمة وخوارزميات ذكية لرصد مواقع الازدحام أولا بأول، سواء في الحرم المكي أو في ساحات المطاف، وتعد جزءًا من منظومة بلاغية تحليلية تدعم سلامة الحجاج وتقلل من المخاطر.
3. السوار الذكي للحاج
جهّزت وزارة الحج والعمرة الحجاج بأساور إلكترونية ذكية مرتبطة بهويتهم الرقمية، تحفظ البيانات الصحية، وتُمكّن من تحديد الموقع الجغرافي والتواصل مع فرق الإنقاذ عند الحاجة (وزارة الحج والعمرة، 2025).
4. منصة “نسك” الرقمية
وفّرت منصة “نسك” (nusuk.sa) أكثر من 120 خدمة رقمية، منها إصدار التصاريح، حجز الإقامة، التنقل بين المشاعر، ودعم الاستشارات الفورية بعدة لغات، وهو ما ساهم في تقليص زمن الإجراءات بنسبة 70% مقارنة بالمواسم السابقة (منصة نسك، 2025).
5. الذكاء الاصطناعي في خدمة الفتوى والإرشاد
أطلقت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي روبوتات إرشادية بلغات متعددة تجيب على أسئلة الحجاج الشرعية والفقهية باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتتحرك بين أفواج الحجيج في الساحات الكبرى.
تحليل البيانات والتخطيط الاستباقي
من خلال تحليل بيانات أكثر من 2 مليون حاج في الزمن الحقيقي، يتم استباق الازدحامات وتوزيع الخدمات وفقًا للنمط السلوكي المتوقع، ما أدى إلى تقليل حالات التكدس بنسبة 55% مقارنة بموسم 1444هـ (سدايا، 2025).
الرعاية الصحية الرقمية
استحدثت وزارة الصحة “العيادات الافتراضية المتنقلة”، مع تطبيق “صحتي” الذي يتيح للحاج الوصول الفوري لملفاته الطبية، وحجز المواعيد، وطلب التدخل الإسعافي. كما شُغّل أكثر من 300 روبوت لتعقيم المواقع وتقديم الأدوية (وزارة الصحة السعودية، 2025).
رضا الحجاج وتقييم الخدمات
أظهرت تقارير الهيئة العامة للإحصاء أن 94% من الحجاج أبدوا رضاهم عن جودة الخدمات الرقمية، و80% اعتمدوا كليًا على التطبيقات الحكومية في إدارة رحلتهم (الهيئة العامة للإحصاء، 2025)
الجوازات الذكية والتخليص الآلي
ضمن مبادرات “الحج الذكي”، طُبّق نظام الجواز الرقمي للحاج (Digital Hajj ID)، والذي يسمح بإنهاء الإجراءات الجمركية بشكل آلي من خلال خاصية التعرف على الوجه والبصمة البيومترية عند المنافذ الجوية والبرية.
وقد قلّص هذا النظام زمن انتظار الحجاج بنسبة تصل إلى 60%، بحسب تقرير الجوازات السعودية (2025). كما ساعد النظام في منع التزاحم داخل المطارات، وسهّل تتبع الحجاج القادمين إلكترونيًا.
الخرائط التفاعلية والمساعدة الفورية
بالتعاون مع Google Maps وNusuk Map، تم تزويد الحجاج بخريطة رقمية تفاعلية تشمل كافة المشاعر (منى، مزدلفة، عرفات) والمسارات الآمنة، والمرافق الحيوية (دورات المياه، مراكز التوجيه، العيادات).
كما وفّرت المنصة إمكانية الإرشاد الصوتي متعدد اللغات للطرق والمهام اليومية مثل رمي الجمرات والتنقل بالحافلات، مما قلّل الاعتماد على المرشدين التقليديين بنسبة 45% (Nusuk، 2025).
الذكاء الاصطناعي في دعم اللغات والترجمة
أُطلق نظام المترجم الذكي للحجاج بالتعاون مع شركة “ترجمة” السعودية، والذي يستخدم الذكاء الاصطناعي الفوري لترجمة المحادثات بين الحاج والموظف الحكومي بأكثر من 20 لغة.
وقد اعتمدت الرئاسة العامة لشؤون الحرمين هذا النظام داخل الحرم، مما ساهم في إزالة الحواجز اللغوية وتسهيل التوجيه الديني والإداري، خصوصًا للحجاج من آسيا الوسطى وأفريقيا (رئاسة الحرمين، 2025).
الروبوتات التفاعلية ومراكز الذكاء الاصطناعي
جرى نشر أكثر من 80 روبوتًا في المشاعر المقدسة، تؤدي وظائف تشمل:
- توزيع المياه وعلب الطعام.
- تقديم الإرشاد الديني.
- التنبيه بالمواقيت عبر الصوت والصورة.
- التحقق من هوية الحاج باستخدام الذكاء البصري.
كما شغّلت سدايا بالتعاون مع مركز المعلومات الوطني غرفة عمليات ذكاء اصطناعي مركزية تستقبل البيانات من آلاف المستشعرات والكاميرات والطائرات بدون طيار لتقديم توصيات فورية لصنّاع القرار.
الخدمات اللوجستية الذكية
دخلت الروبوتات الأرضية والطائرات بدون طيار في خدمات توصيل الأمتعة والطعام والأدوية، خاصة لكبار السن وأصحاب الإعاقات، عبر تطبيق “رِفق”، والذي أطلقته الهيئة الملكية لمدينة مكة والمشاعر (2025).
وأُنشئ مستودع ذكي في مشعر منى يُدار آليًا لحفظ وتوزيع الاحتياجات حسب الموقع الجغرافي، باستخدام تحليلات البيانات والاستجابة حسب الأولويات.
خاتمة
لقد غدت رحلة الحج أكثر من مجرد أداء شعيرة، بل تجربة إيمانية متكاملة مدعومة بتقنيات الجيل الخامس، وتحليل البيانات، والذكاء الاصطناعي، مما يجعل من موسم حج 1446هـ أنموذجًا رائدًا في التحول الرقمي للخدمات الدينية عالميًا، ومع رؤية المملكة 2030، سيستمر التطوير حتى يبلغ ذروته في تجربة رقمية روحية وإنسانية تُكرّم الحاج وتيسر له السبيل إلى ركن الإسلام الخامس في أبهى صوره.
معلومات عن الكاتبة:
سميرة بنت حسين الثقفي - ماجستير تقنيات التعليم

