

علي بن هجّاد الزهراني
العودة إلى منابت الأحلام
تختلج في نفس الإنسان عاطفة جياشة عندما يعود إلى الأماكن التي شهدت صرخته الأولى وبدايات مكابدته للحياة ومنابت أحلامه وتطلعه للمستقبل، فيجد أثراً خَطّه بيده ليسلي نفسه التي كانت تتوق للعب واللهو كما هو حال أقرانه في تلك السنّ المبكرة، ولكنّه استعاض عن اللعب وهو يرعى غنمه في شواهق جبال السراة بحجر ينقش به اسمه على صخرة صمّاء دون وعي بما سيحمله هذا النقش من ذكرى لتلك اللحظة عندما يكبر ويعود إلى نقشه الذي يحفز ذاكرته للعودة إلى اللحظة التي شكلت هذا الأثر.
كنت أتحين الفرصة التي أتمكن فيها من الوصول إلى أثر تركته في عام ١٣٩٥ هـ على صخرة شامخة تتربع على قمة جبل ( أم رياح ) في فيض قريتي ( الحميدان ) في محافظة القرى ببلاد زهران، حيث كنت أرعى مع أقراني الغنم .
وكنت مترددا وغير واثق من لياقتي البدنية وقدرتي على السير في الجبال صعوداً ونزولاً حتى الوصول إلى الهدف المنشود، ولكنني قررت مع شقيقي فهد هذا العام ١٤٤٤هـ التوكل على الله والسير إلى الموقع وقادتنا خطانا إليه بتوفيق الله، وكانت لحظة عاطفية عادت بي ذاكرتي خلالها إلى مرحلة البدايات وشغف العيش وصعوبة الحياة وما كان في النفس من أمنيات وتطلعات وأحلام.
'
وفي تلك اللحظة التي عانقت فيها المكان، واسترجعت في ذاكرتي الزمان، خاطبت ذاكرتي:
مـنـابـت الأحــلام
هــذا أنا عـدتُ يانقـشي وذاكــرتي .
خمسـون عاماً مضت أتعبتُ راحلتي
كـأنّـها غـيـمــةٌ مــرّت مــحـمّـلـةً
بالـوَدقِ تُسـقي بـه أزهـارَ عـاطـفـتي
تُعـيـدني نصـف قــرنٍ كي أرى أثـراً
من الطـفـولة يـحـيـا في مـخـيّـلـتي
فجـئـتُ أبحـثُ عـن مـاضٍ أحـنّ له
تقـودني في جـبالِ الفـيـضِ بوصـلتي
هـنا مـنـابـتُ أحـــلامي وقـد بـدأَت
مذ ذاك تـدفـعـني في دربِ أمـنـيـتي
طفـولـتي، وانفعـالاتي، وخـوف غـدي
وصـوتُ ريـحٍ يـبـاري لـحــن أغـنـيتي
ورعـشـة الكـفّ إذ تهوي على حجـرٍ
تـدوّنُ اســمي فـلا تَـبـلى مـدوّنـتي
وكلّ ذكــرى لـها في الـقـلـب مـنزلـةٌ
حـمـلـتُـهـا في شــرايـيـني وأوردتي
تمـضي مـعي حـيثما أمـضي تـذكّـرني
نبضَ الـبدايـاتِ في أعمـاق تجـربتي
وعـدتُ مسـتـذكـراً مـا مـرّ من زمـني
أرتّــلُ الأحــرفَ الأولى عـلى شَـفَـتي
لـحــنـاً شـجــيّـاً بـأنـفــاسي أدوزنُـه
من لثغـةِ الحرفِ حتى شابَ في لغتي
بقلم :علي بن هجّاد

