الكاتب : النهار
التاريخ: ٠١:٤٠ م-١٧ مايو-٢٠٢٥       9295

بقلم :شموخ الحربي

في عالمٍ يركض فيه الجميع نحو القمّة، تتردد على أسماعنا كثيرًا كلمات مثل “نجاح”، و”تميّز”، حتى أصبحنا نستخدمهما بشكل متبادل، دون أن نتوقف للحظة لنتأمّل الفرق بينهما. ومع أن المفهومين يبدوان متقاربين ظاهريًا، إلا أن الحقيقة تقول: ليس كل ناجح متميّز، لكن كل متميّز هو بالضرورة ناجح، وبصورة مختلفة.

النجاح: تحقيق الهدف

النجاح في جوهره هو الوصول إلى هدفٍ محدد. قد يكون هذا الهدف أكاديميًا كالتفوق في الدراسة، أو مهنيًا كالحصول على وظيفة مرموقة، أو اجتماعيًا كتحقيق استقرار عائلي أو تكوين علاقات قوية. النجاح قد يأتي نتيجة التخطيط، الاجتهاد، الانضباط، أو حتى الحظ أحيانًا. وهو مفهوم نسبي، يختلف من شخص لآخر؛ فما يُعدّ نجاحًا لطالب في المرحلة الثانوية، قد يبدو خطوة عادية لطالب جامعي.

لكن ما يجمع بين كل أشكال النجاح هو أنها غالبًا ما تكون مرتبطة بنتائج يمكن قياسها. درجات، مناصب، أرباح، جوائز… كلها علامات على أن الإنسان قد حقق شيئًا ما. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه النتائج كافية؟ وهل هي نهاية الطريق؟

التميّز: صناعة الفرق

التميّز، من جهة أخرى، لا يرتبط بالنتائج فقط، بل يرتبط بالكيفية والروح والأسلوب. التميّز يعني أن تنجح، ولكن بطريقة فريدة، فيها ابتكار وتفرد، وفيها بصمة لا تشبه غيرها. المتميّز لا يسير على الطريق المعبد فقط، بل قد يشقّ طريقًا جديدًا لم يُسلك من قبل.

التميّز هو أن تتقن ما تفعل بإخلاص وشغف، وأن تترك أثرًا يجعل الآخرين يتذكرونك، لا لمجرد ما أنجزته، بل لكيفية إنجازه. الطبيب المتميّز ليس فقط من يشخّص المرض بدقة، بل من يملك حسًا إنسانيًا عاليًا، يجعل مريضه يشعر بالأمان. المعلم المتميّز ليس من يشرح الدرس فقط، بل من يزرع في طلابه حبّ المعرفة. الكاتب المتميّز ليس من يسرد الحكايات فحسب، بل من يغيّر شيئًا في قارئه بعد كل قصة.

الفرق بين الحضور والأثر

النجاح يمنحك الحضور، لكن التميّز يمنحك الأثر. فكم من أشخاص ناجحين مرّوا من حولنا، ولم نعد نذكرهم؟ وكم من متميّزين، ربما لم يصلوا إلى أعلى المناصب، لكنهم غيّروا فينا شيئًا، وتركوا علامة لا تُنسى؟

في الواقع، الفرق بين التميّز والنجاح يشبه الفرق بين النسخة الأصلية والنسخة المطبوعة. كلاهما ينقلان الفكرة، لكن للأصل قيمة، أصالة، وندرة لا يمكن تكرارها.

لماذا نحتاج إلى التميّز؟

في عالم مليء بالمنافسة والتشابه، لم يعد النجاح كافيًا ليصنع فرقًا حقيقيًا. الشركات الكبرى لا تبحث فقط عن المتفوقين، بل عن أولئك الذين يفكرون خارج الصندوق. المجتمعات لا تتطور بوجود الناجحين فقط، بل بالمبدعين والمتميزين الذين يغيّرون المعايير ويصنعون نماذج جديدة.

لهذا، لا بد أن نعيد تشكيل نظرتنا للإنجاز، وألّا نرضى بأن نكون ناجحين وحسب. علينا أن نسعى إلى التميّز، إلى التفرّد، إلى أن نكون النسخة الأفضل من أنفسنا، لا مجرد نسخة ناجحة من الآخرين.

الخلاصة

بين النجاح والتميّز مسافة قد تبدو قصيرة، لكنها في الحقيقة طويلة، ومليئة بالتحديات. النجاح هو البداية، أما التميّز فهو القمّة. النجاح متاح للكثيرين، لكن التميّز حكرٌ على أولئك الذين يرفضون العادي، ويبحثون دائمًا عن الأفضل، لا فقط في النتائج، بل في الطريق الذي يسلكونه نحوها.

فلنطمح أن نكون أكثر من ناجحين… فلنكن متميّزين.