

بقلم- أحمد صالح حلبي
حينما سئل الفيلسوف اليوناني أرسطو طاليس عن كيفية معرفته بالإنسان ، أجاب دون تردد ، أسأله كم كتابًا يقرأ، وماذا يقرأ؟
قال ذلك أرسطو الذي عاش خلال الفترة من 384 ـ 322 ق . م، وهو ما يعني أن التدوين والكتابة كانت موجودة خلال تلك الفترة، وقد اشارت المراجع إلى أن " أول المخطوطات اللوحية ترجع لسنة 3000 ق.م، وهذه الكتابة تسبق ظهور الأبجدية منذ نحو 2500 سنة، وظلت هذه الكتابة المسمارية في العراق والهيروغليفية في مصر سائدة حتى القرن الأول ميلادي ".
أما أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الليثي الكناني البصري المعروف بالجاحظ ، فقد قال عن الكتاب: "نِعمَ الذُّخْر والعُقدة، ونعم الأنيس ساعة الوحدة، ونعم القرين والدخيل، والوزير والنزيل، والكتاب وعاء مُلئ علمًا، وَظَرفٌ حُشِي ظرْفًا، إن شئتَ كان أبيَنَ من سحبان وائل، وإن شئت كان أعيا مِن باقل، إن شئت ضحكتَ مِن نوادرِه، وعجبتَ مِن غرائب فوائده".
فيما قال أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخصيب المعروق بــ " نطاحة " وهو من أهل الأنبار بالعراق، "الكتاب هو المُسامر الذي لا يبتدئك في حال شُغلِك، ولا يَدعوك في وقت نشاطِك، ولا يُحْوِجُك إلى التجمُّل له، والكتاب هو الجليس الذي لا يُطريك، والصديق الذي لا يُغريك، والرفيق الذي لا يَملُّك، والناصح الذي لا يَستزيدُك".
أما أمير الشعراء أحمد شوقي فقد قال عن الكتاب و القراءة:
أنا من بدل بالكتب الصحابا
لم أجد لي وافيا إلا الكتابا
صاحب إن عبته أولم تعب
ليس بالواجد للصاحب عابا
كلما أخلقته جددني
و كساني من حلى الفضل ثيابا
صحبة لم أشك منها ريبة
ووداد لم يكلفني عتابا
رب ليل لم نقصر فيه من
سمر طال على الصمت و طابا
كان من هم نهاري راحتي
و ندامى و نقلى و الشرابا
إن يجدني يتحدث أو يجد
مللا يطوي الأحاديث اقتضابا
تجد الكتب على النقد كما
تجد الإخوان صدقا و كذابا
فتخيرها كما تختاره
واد آخر في الصحب والكتب اللبابا
صالح الإخوان يبغيك التقى
ورشيد الكتب يبغيك الصوابا
وقال بعض الحكماء: "الكتُب بساتين العلماء" ، و"الكتب أصدق الحِكَم، تنشقُّ عن جواهر الشيَم".
وبين ما دونه السابقون عن فضل الكتاب ومكانته، وما بتنا نراه اليوم من تغييب له، نقف أمام تقنية "الانترنت" التي أبعدت الناشئة عن القراءة، فاصبحوا لا يبحثون عن الكتاب ليقرأوا، بل يبحثون عن ملخصاته لينجحوا في دراساتهم، وأصبحنا نرى جيلا لا يقرأ إلا الملخصات، ولا يعرف عن اللغة وآدابها وبلاغتها، وعلمائها.
فهل يمكن القول بأن هذه هي الحضارة ؟
يقول الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس ، أحد أبرز كتاب القرن العشرين: " إنْ فخر الناس بما يكتبون، فخرتُ بما قرأت!".
أما الكاتب والناشر السوري رياض نجيب الريس فيقول: "نصف ما يطبع من الكتب لا يشترى، ونصف ما يشترى لا يُقرأ، ونصف ما يُقرأ لا يُفهم!".
ختاما أقول إننا لسنا بحاجة لنقرأ، بل بحاجة لنفهم ما نقرأ، فهل يعي الشباب هذا، أم نراهم يتسابقون نحو الملخصات للحصول على الدرجات؟

