

بقلم - عبد السلام القراي
يعتبر المعترك السياسي في السودان (حالة خاصة) أو بالأحرى (حالة شاذة)، منذ الإستقلال والقيادات السياسية تُنادي بالديمقراطية كنظام حُكم من خلال شعارات رنانة وأناشيد صُنِفت بالوطنية (حفظها) عامة الناس دونما التدقيق في معانيها والأهداف المرسومة لها، ومع ذلك لم تكن النتائج كما يشتهي دعاة الديمقراطية والسبب أنهم (أدمنوا) الخلافات والمشاكسات التي بلا شك تخصم من رصيد الممارسة الديمقراطية!! في المقابل ساهمت النخب السياسية رغم أنها بعيدة عن (النخبوية)، في صناعة (هوس سياسي) داخل الجامعات والمدارس الثانوية آنذاك حيث شهد المجتمع السوداني (جنوناً سياسياً) يُسمى بالأركان في الجامعات يمارسه (طُلاب العلم) لتنتقل العدوى بسرعة للأحياء والمقاهي، وحتى المساجد لم تسلم من هذا الهوس السياسي ! ويمكننا تشبيه هذا الجنون السياسي بالفيروس الذي ينقل العدوى ليصيب السودانيين بمرض (الهوس السياسي)!! حُجة هؤلاء الفاشلون بناء جيلاً مُشبعاً بفنون السياسة ... للأسف ما حدث داخل الجامعات وفي الأركان تحديداً كان خصماً على الممارسة السياسية والدليل على ذلك (الإشتباكات) التي تحدث بين طُلاب العلم بسبب الإنتماء الأعمى للقيادات السياسية يميناً ويساراً (سبب البلاوي في السودان)، وفي ظل غياب أحزاب الوسط في ذلك الوقت وحالياً لتجئ المحصلة تشاكساً وتنافراً (يُلغي) من الحسابات (قبول الآخر) والمحزن أن المجتمع السوداني تأثر بهذا الجنون السياسي وظهر ذلك جلياً في عملية (التصنيف) الحزبي والمؤسف أصبحت مسألة الإنتماء السياسي (ذريعة) لصدور الأحكام وتحديداً فيما يتعلق (بالتخوين) والتجريم!! ويبقى الصراع بين المكونات السياسية عائقاً كبيراً لتقدم البلاد وتطورها والغريب في الأمر ورغم فشل النظريات اليمينية واليسارية في صناعة المجد والسؤدد للسودان إلا أن القيادات السياسية ما زالت (تتمرتس) لأفكارها البالية، فالتراجع في عُرف هؤلاء مرفوض، ويعتبر (رِدة) أو بالأحرى (عيباً) ونكوصاً عن الهوس السياسي الذي يعتبرونه (عملاً مُقدساً) لا ينبغي التفريط فيه رغم نتائجه الكارثية على البلاد والعباد!! للأسف شطب هؤلاء من قواميسهم مسألة (العبرة بالخواتيم) والنتائج والمحصلة استمرار مسلسل الجنون السياسي من قيادات تُنصِب نفسها (وصياً) على الشعب السوداني. ما يحدث اليوم من (عك سياسي) ساهم في تأخير مسيرة السودان لآفاق أرحب وأوسع في كل المجالات التنموية بإعتبار أن السودان يملك المقومات لإحداث (الطفرات) في شتى المجالات. وما حدث سابقاً ويحدث اليوم من تدني مخيف (الفشل الضكر) في جميع المجالات نتاج طبيعي لإرث سياسي (أعرج) والمصيبة أن هذا الإرث الناقص أصبح (ثقافة) ينبغي (التقيد) بها باعتباره من (المًسلمات)!! من كان يًصدِق أن (يُلغي) السودانيون عقولهم وهم يتعاطون هذه الأفكار والنظريات التي دمّرت السودان وخرّبته وجعلت أهله يعانون الفقر والجوع والمرض ... من يستمع لنقاشات المواطنين يُصاب بالصدمة والحسرة للحال الذي وصلت إليه البلاد، في ظل الجنون السياسي يقول محدثي من الصعب أن تجد اثنان يتفقان على قضية واضحة المعالم، أي بمعنى أن السودانيين أدمنوا الخلاف والإختلاف في المسائل الواضحة ولا نملك إلا نقول ربنا يجازي الذين كانوا السبب من قيادات اليمين واليسار!! الذي لا يختلف عليه اثنان عاقلان أن مرض (الإحتقان السياسي) بعد أن أصبح علاجه (مستعصياً) سنستمر في نفق (اللاعودة) وهذا بالطبع يترتب عليه الإنحدار بسرعة الصاروخ للهاوية أو بالأحرى (تحت الصفر) ويصبح من الصعب الخروج من دائرة (التخلف) الذي أصبحت البلاد من (الرائدة) فيه أي التخلف!! لا خلاف في أن الشباب حاضر السودان ومستقبله الزاهر (نهضة شاملة) لكن هل جيل اليوم قادر على صناعة الفارق ؟ للأسف الإجابة لا فالشباب في السودان (راكب رأسه) بحجة (الاستقلالية) في الرأي والفكر، لكنه للأسف (ضاع) بسبب (غفلة) الأسرة والمجتمع وايضاً بسبب (الهجمة الشرسة) من القيادات السياسية لاستخدام هؤلاء الشباب (كوقود) للثورات وكأدوات لترسيخ المفاهيم الهدامة ومن الأسباب القوية لضياع الشباب الإستخدام السيئ (للعولمة). بح صوتنا ونحن نطالب الشباب أن يستقلوا بذاتهم من خلال تكوين كيان أي حزب يكون وعاءّ جامعاً لهم يعكسوا من خلاله أفكارهم التي تساهم في بناء السودان الجديد على حد تعبيرهم. لذا من يراهنون على الشباب فإن رهانهم خاسر عليه إذا ظلّ الشباب في (قبضة السياسيين) المخربون الذين يعبثون بأمن البلاد واستقرارها، سيظل السودان في (مؤخرة) دول العالم الثالث التي تغرق في بحور من التخلف!! يا هؤلاء ليس (بالثورية) تُبنى الأوطان… إلى متى يظل هؤلاء الشباب متعطشون (للفوضى) التي تعتبر عندهم (حُرية)؟.. ولك الله يا وطن الغلابة.

