

بقلم - أحمد صالح حلبي
تحتفل المملكة العربية السعودي هذه الأيام باليوم الوطني الـــ 95 الذي يأتي ليجدد ذكرانا بسنوات مضت وقائد عظيم عمل على توحيد أجزاء الجزيرة العربية وبسط الأمن والامان بها بعد فرقة وتناحر وسلب ونهب وقتل عاشتها لعقود عدة .
وفي هذه الذكرى نبدأ بتقليب صفحات الكتب ومذكرات الرحالة لقراءة ما دون من معاناة عاشها سكان الجزيرة العربية و قاصدو الحرمين الشريفين من حجاج ومعتمرين وزوار .
وفي ذكرى هذا العام نقف مهنئين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ـ حفظهما الله ـ ، معتبرين بهذه الذكرى العظيمة للمملكة التي تأتي لتميز وطننا على كافة الأوطان بما يقدمه من خدمات لراحة وطمأنينة لضيوف الرحمن ، ومن هذه الخدمات توفير المياه لينعم ضيوف الرحمن لأداء فريضتهم بيسر وسهولة .
والحديث عن المياه يأخذنا للبدايات الأولى لمشكلة المياه على مدى العصور والأزمان حيث كانت تمثل أزمة تقلق الخلفاء والسلاطين ، وأكد ذلك ما أقدمت عليه السيدة زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور ، زوجة هارون الرشيد خامس خلفاء بني العباس، حيث قامت بإنشاء قناة مائية لسقيا سكان مكة المكرمة والحجاج في المشاعر المقدسة ( عرفات ومزدلفة ـ منى ) بعد ما وصلها ورأت ما يلحق الحجاج من مشقة في الحصول على المياه ؛ وتم إجراء قناة تجلب الماء من عين تقع في أسفل جبل كرا بأعلى وادي النعمان حتى تصل مياهها إلى أسفل العزيزية مما يلي مكة المكرمة ، وجعلت لهذه العين بركاً وأحواضاً في المشاعر المقدسة.
" وقيل إنه بلغ مجموع ما أنفقته السيدة "زبيدة على هذا المشروع 1,700,000 مثقال من الذهب. أي ما يساوي 5,950 كيلو غرامًا. ولما تمّ عملها اجتمع العمال لديها، وأخرجوا دفاترهم ليؤدوا حساب ما صرفوه، وليبرّئوا ذممهم من أمانة ما تسلموه من خزائن الأموال، وكانت السيدة «زبيدة» في قصر مطلٍّ على دجلة، فأخذت الدفاتر ورمتها في النهر، قائلة: "تركنا الحساب ليوم الحساب؛ فمن بقي عنده شيء من المال فهو له، ومن بقي له شيء عندنا أعطيناه"، ورغم العمل الذي قامت به السيدة زبيدة ، فإن مشكلة المياه ظلت قائمة على مدى العصور والأزمان .
وفي عهد الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ أُنشئت إدارة خاصة لإدارة العين سميت بإدارة عين زبيدة ، تشرف على العين والآبار الخاصة بها وترميمها ، وقام الشيخ عبد الله الدهلوي بأمر من الملك عبدالعزيز ، يرحمه الله ـ عام 1346 هـ بعمارة العين .
ولم تكن عمارة عين زبيدة هي الحل الوحيد لتوفير المياه بمكة المكرمة ، فقد تم في عام 1348 هــ إنشاء وحدة تكثيف لتقطير مياه البحر لدعم مصادر المياه العذبة عرفت بمياه التحلية ، والتي تطورت لاحقا بإنشاء محطات التحلية على ساحل البحر الأحمر في جدة عام 1401 هـ والشعيبة عام 1409 هـ وما بعدها .
وعنى الملك عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ بتأمين محطات لقوافل الحجاج حيث اعتمد ثلاثة أسبلة في جهات محيطة بمكة المكرمة وتجديدها لخدمة الحجاج والمعتمرين والزوار .
ومن الأسئلة التاريخية « سبيل الحديبية» على طريق مكة، جدة القديم وتفصله عن بئر الحديبية مسافة 300م شرقاً، وحرص الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله- على العناية به منذ عام ١٣٦١هـ، وتجديده، وتأمين كل ما يلزم للسبيل من أحواض، مستطيلة الشكل، و مسقوفة، وفتح منافذ لسُقيا الماء في واجهته، ويتم ملء حوض السبيل عن طريق قناة تخرج من حوض البئر التي تلتصق بالسبيل من الشرق، والسبيل واجهة هرمية الشكل بأعلاها البسملة داخل حافة دائرية، وأسفلها نص التجديد.
أما سبيل حداء الواقع على بعد 9 كلم غرب عن أعلام الحرم الغربية ملاصقا للجدار الغربي للبئر التي بني بجوارها، ويقع على طريق مكة - جدة القديم، وتم تصميمه على شكل حوض مستطيل بفتحات السقيا في الجدار الشمالي والغربي، وثبت في واجهة الغربية لوحة من الجبس يذكر فيها تاريخ التأسيس. ولا تزال حذاء أحد أبرز شواهد الأسبلة التاريخية في قلب وادي الشميسي.
ويقع سبيل أم الجود على يسار القاصد طريق مكة - جدة، وتعرف المنطقة اليوم بأم الجود، وجدد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- عمارته عام 1362، ببناء حوض مستطيل الشكل مسقوف، تتوج واجهته الغربية شرافة هرمية الشكل متدرجة بأعلاها البسملة داخل حافة دائرية الشكل نفذ بها النص التأسيسي الذي يؤرخ لتجديد عمارة السبيل، وفي جدرانه الغربية والجنوبية والشرقية توجد فتحات للسقيا، ويملأ حوض السبيل عن طريق أنبوب فخاري متصل بحوض ملاصق للبئر التي بني السبيل بجوارها، وحرص الملك المؤسس -رحمه الله- على بناء أسبلة المياه لعدم كفاية الأسبلة التاريخية، وزيادة العمران في مكة وجدة، وتم البناء بمواد محلية بالصب في القالب، وهي طريقة تتناسب مع الإمكانات المادية المتوفرة في ذلك الوقت.
وكما عني الملك عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ بتوفير المياه للحجاج عبر الأسبلة ، عني أبناؤه الملوك من بعده سعود ، وفيصل ، وخالد ، وفهد ، وعبدالله ـ يرحمهم الله ـ بذلك ، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ يحفظه الله ـ برز الاهتمام بتوفير المياه لقاصدي البيت الحرام ، وزوار مسجد رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وشهد موسم حج عام 1446 هــ توزيع أكثر من (45) مليون متر مكعب من المياه لضيوف الرحمن في مدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة خلال الموسم.
حساب الكاتب:
ashalabi1380
ahmad.s.a@hotmail.com @