الكاتب : النهار
التاريخ: ١١:١٧ م-١٩ مايو-٢٠٢٥       17105

بقلم: أحمد الرفاعي
في عصر يتسارع فيه تطور التكنولوجيا بشكل غير مسبوق، يبرز  الذكاء الاصطناعي  (AI) كأحد أبرز المحركات التي تعيد تشكيل ملامح سوق العمل. بينما تثير هذه التحولات مخاوف من اختفاء  وظائف  تقليدية، تُفتح أبوابٌ لوظائف جديدة لم تكن موجودة قبل عقد من الزمن.

فهل ننسى أن مقاومة التغيير ليست ظاهرة جديدة؟
فقبل عقود قاوم الموظفون التحول من الآلات الكاتبة إلى الحواسيب، لكنهم اكتشفوا لاحقًا أن التكنولوجيا الجديدة سهّلت عملهم ، اليوم تتكرر القصة مع الذكاء الاصطناعي... فكيف نوازن بين الخوف من المجهول واستكشاف الفرص؟
مقاومة التغيير: جذور الخوف والتحديات
ليست مقاومة العمال للتغيير مجرد رفض عفوي، بل هي نتاج عوامل متشابكة منها الخوف من البطالة حيث تشير تقديرات "المنتدى الاقتصادي العالمي" إلى أن  الذكاء الاصطناعي  قد يحل محل 85 مليون وظيفة خلال عام 2025، خاصة في المجالات الروتينية مثل المحاسبة والتصنيع.
فجوة المهارات: يحتاج العمال إلى مهارات رقمية متقدمة، مثل تحليل البيانات أو البرمجة، والتي قد يصعب اكتسابها دون تدريب مستمر.  
الثقافة المؤسسية: تترسخ في بعض القطاعات ثقافة رفض التكنولوجيا بدافع الحفاظ على الهوية التقليدية. فلنتذكر كيف رفض موظفو النسخ في القرن الماضي استخدام الحواسيب، متمسكين بآلاتهم الكاتبة، قبل أن تثبت التكنولوجيا الجديدة تفوقها في السرعة والدقة.
الذكاء الاصطناعي: محو الوظائف أم إعادة تشكيلها؟
رغم التحديات، يُظهر التاريخ أن التكنولوجيا لا تقضي على العمل، بل تعيد توزيعه:  
وظائف ستنقرض: مثل سائقو سيارات الأجرة التقليدية مع ظهور المركبات ذاتية القيادة، أو وظيفة "المراسل " الذي كان ينقل الوثائق بين المدرسة وإدارة التعليم ، والتي اختفت مع أنظمة المراسلات الإلكترونية.
وظائف ستتطور: تحول دور الطبيب من التشخيص الروتيني (الذي يمكن أن يؤديه الذكاء الاصطناعي) إلى التركيز على الرعاية الشخصية واتخاذ القرارات المعقدة.  
وظائف جديدة تولد: مثل مهندسو تعلم الآلة، أو متخصصو هندسة الأجهزة الطبية الذكية التي تشخّص الأمراض باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
ملامح جيل الوظائف الجديدة: من يصنع المستقبل؟
ستتركز الفرص في مجالات تعتمد على الإبداع والذكاء العاطفي والتكنولوجيا المتقدمة:  
القطاع الصحي: فنيو أجهزة التشخيص الذكية، ومهندسو الأنظمة الطبية القائمة على  الذكاء الاصطناعي  التي تعالج البيانات الحيوية بسرعة قياسية.
القطاع البيئي: خبراء في إدارة أنظمة الطاقة الذكية أو إعادة التدوير باستخدام الروبوتات.  
القطاع الإبداعي: مصممو الواقع الافتراضي، ومطورو المحتوى التفاعلي المدعوم بالذكاء الاصطناعي.
كيف نخفف مقاومة التغيير؟ استراتيجيات للانتقال الآمن
لتحويل التهديد إلى فرصة، نحتاج إلى تعاون متعدد الأطراف:  
الحكومات: استثمار في التعليم التكنولوجي وإصدار تشريعات تضمن إعادة تأهيل العمال، مثل "التأمين ضد البطالة التقنية" في سنغافورة.  
الشركات: تبني برامج تدريبية داخلية، كما حدث مع موظفي الأرشيف الذين تحولوا إلى مديري قواعد بيانات إلكترونية بعد إلغاء الأنظمة الورقية.
الأفراد: تبني عقلية التعلم المستمر (Lifelong Learning)، فكما اضطر مستخدمو الآلات الكاتبة لتعلم الحواسيب، يجب أن نتقن اليوم أدوات  الذكاء الاصطناعي  لنكون في صدارة المستقبل.
في الخاتم
التغيير قادم لا محالة، لكن كيفية تعاملنا معه ستحدد ما إذا كنا ضحايا أم صنّاعاً للمستقبل. فكما أصبح الحاسوب أمس رفيقًا لا غنى عنه بعد أن كان غريبًا مخيفًا، سيصبح  الذكاء الاصطناعي  جزءًا من حياتنا العملية، شرط أن نتعلم كيف نوجهه لخدمة إبداعنا.
المستقبل للذين يرون في كل أزمة وظيفة منقرضة بذرة لوظيفة جديدة تُزرع.
كما ان التاريخ يعلمنا أن مقاومة التكنولوجيا هي مرحلة مؤقتة... فمن يرفض اليوم التعامل مع الذكاء الاصطناعي، يشبه من كان يخبئ أوراقه خوفًا من ضجيج الآلة الكاتبة!