الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٩:٢٧ ص-١٨ ديسمبر-٢٠٢٤       20680

بقلم - حسناء خالد الزهراني 

يحتفل العالم في هذه الأيام بأقدم لغة في التاريخ اللغة التي سحرت العالم بجمالها وبديع تفردها حتى قالت عنها المستشرقة والكاتبة الألمانية زيغريد هونكه "كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمالَ هذه اللغة ومنطقَها السليم وسحرَها الفريد؟! فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللغة" 

نعم هي لغة تفردت وسادت بغزارة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها وقدرتها  في استخراج أدق خلجات النفس وخيالات الفكر .

وقف أمام عظمتها المستشرق الفرنسي لوي ماسنيون ثم قال عنها  "العربية لغة التأمل الداخلي مجعولة كي يتذوق أصحابها مقصداً إلهياً، ولها قدرة خاصة على التجريد والنزوع إلى الكلية والشمول لغة الغيب والإيحاء تعبر بجمل قصيرة مركزة عما لا تستطيع اللغات الأخرى التعبير عنه إلا في جمل طويلة فضفاضة " .

هذه اللغة التي خصها الله " بالايجاز والإعجاز " والتي قال فيها نبينا الكريم " أن من البيان لسحرا" وعلى ما فيها من صفات جمالية متجذرة بعمق في تقاليدها الأدبية ألا أنها في رحاب الباحة الحسناء وأرضها الغناء وجبالها الشماء يزداد رونقها بحضرة إنسانها ( غامد وزهران ) الذي عنى باللغة عناية فائقة و قال فيهم عالم اللغة الخليل الفراهيدي وكذلك أبو عمرو بن علاء وكذلك العلامة حمد الجاسر "أفصح الناس أزد السراة " وليس في الأرض قاطبة كلام هو أمتع ولا أنفع ولا آنق ولا ألذ في الأسماع ولا أشدّ تصوراً للمفردة تجليها للعقل وتجعل الخفي منها ظاهراً والغائب شاهداً والبعيد قريباً كما هو في كنف الباحة .

ففي الباحة أرض أزد شنوءة  يغنيك قليل كلامهم عن كثيرة في فهم معانيهم ؛ إذا أنهم أغنى أهل الأرض بكثرة المفردات ومشتقاتها أهل اللغة الحية ذات الحس والروح  تستطيع أن تميز بين الحالة النفسية والحركة البدنية من خلال الألفاظ التي تحمل في بطن معناها موكباً من العواطف والصور .

ففي مصطلح النظر لوحدة لديهم الكثير من المفردات التي تعبر كل وحده منهم عن حاله خاصه فعلى سبيل الذكر لا الحصر هناك مفردة "المح" والتي تعني أن تنظر في حدثاً ما في مكان بعيد نظرة خاطفة سريعة ،وكذلك مفردة " إليك " والتي تعني  أن تنظر في أمراً ما  في مكان قريب ثم تجد له حل  فالأمر صار إليك وتنطق بتكرر المفردة مرتين تباعا" " إليك إليك " ،وكذلك مفردة  تشاوع " والتي تعني أن يمد جسمه ورأسه لينظر شيئاً في مكان شاهق أو أسفل منه .

وفي مصطلحات الدخول فمن مفرداتها "أمرق "وتعني أمضى وأنفذ سريعاً وتقال لمن يريد أن يدخل إلى مكان ما دخولاً سريعاً ،وأيضاً " عرج " وتقول لمن كان ذاهبا لمكان ما ثم مال في طريقة  لمكان آخر ودخل به واقفاً ثم أكمل طريقه ؛  وتقال بهذه الصيغة  "فلان عرج على فلان "،اما  مفردة "ولج " وتعني أنه دخل فيهم وخالطهم مده .

ولي ولج مشتاقات عدة تفيد كُلُّ منها عن حالة مغايرة عن الأخرى ،والمفردة الشهيرة عن الباحة " أفلح ويفلح، وفلح " هي مفردة جميلة مغلفة بالحب ومن جميل ما أبدعها أنسان الباحة والتي تفيد الذهاب إلى مكان معلوم وهدف معين مع دعوة وتمني له بالفلاح في مراده " .

وفي مصطلاحات الأصوات فهناك مفردة الصجّة والتي تعني الأصوات المختلطة والمرتفعة في مكان بعيد عن المحيط الخاص، واللجة وهي الأصوات المختلطة والمرتفعة في مكان التواجد، وأما الحنمة وهي الأصوات المختلطة المنخفضة ،وغيرها الكثير من المصطلحات التي يتم التعبير عنها في مفرده واحدة تكشف لك عن أدق معانيها .

الباحة إرثاً عظيماً للغة العربية وعليها أن تحافظ على أرثها في نفوس أبنائها في عصر المتدخلات والمتشابهات ولا ترضى بتلاشي جمال مفرداتها أمام قوة هذا العصر وسرعته ونشيد بدور  مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية  الذي يعمل على مشروع " أصوات السعودية " لحفظ اللغة الفصحية واللهجات المحلية داخل المملكة العربية السعودية ،فلغتنا بحر ترفده أنهار لهجات تنطق بها قبائلنا العربية .

فليس هناك لغة في العالم قديمها وجديدها استطاعت أن تصف المعاني القائمة في صدور العباد المتصورة في أذهانهم والمتخلجة في نفوسهم والمتصلة بخواطرهم وصفاً دقيقاً بمفردة واحدة كما في لغتنا العربية وبذلك تفاخرت العرب وتفاضلت عن أصناف الأعجام.