الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٢:٣٣ م-٣٠ يوليو-٢٠٢٤       25410

المحرر الثقافي محمد الحارثي

إن الأدب مرآة تعكس ثقافة المجتمع بكافة شرائحه ، ولعل من تلك الشرائح فئة ( اليافعين ) حيث أن رعاية مواهبهم الأدبية تُعدُّ ركيزة أساسية في بناء الإنسان وتنمية شخصيته وثقافته. 

ومن هذا المنطلق أردت أن أستعرض معكم كتابا لافتا خُصص لرعاية أدب اليافعين بعنوان:(على جناحِ غيمة ) للأستاذة المُلهمة. عفاف حسين الصبحي الحربي ، وهي معلمة متميزة بإدارة تعليم مكة المكرمة وحاصلة على الماجستير في الأدب والنقد ،وعضو بالمجلس العربي للموهوبين والمتفوقين، شاعرة ولها عدة أنشطة وإنجازات في مجال عملها .

وحين اطلاعي على الكتاب اعتقدت بأنه إصدار لأحد دواوينها الشعرية ولكن أدهشني عند تصفحه! فهو سلسلة من إبداعات الطالبات " كاتبات الغد " من مختلف مناطق المملكة ، حيث اجتمعت عبر مجموعة خصصتها المعلمة لرعاية المواهب الأدبية عبر تطبيق التليجرام بمسمى " كاتبات الغد". 

ولاحظت سابقا من خلال مشاركة المعلمة في مهرجان ذي المجاز الشعري الأول أنها من المُجيدات لشعر التفعيلة والشعر العمودي . ولها إسهامات بارزة في رعاية مواهب الطالبات وتشجيعهن على دخول المنافسات الأدبية وصقل مهاراتهن، ولعل من بينهن طالبتها: روان مبارك الصاعدي الفائزة بالمركز الأول في الشعر العربي الفصيح ضمن مسابقة المهارات الأدبية على المملكة لعامين متتاليين ،وهذا الإنجاز يُجير للمعلمة المتفانية مع طالباتها. 

كذلك الطالبة: رهف جلال وسبق وأن نشرنا قصة قصيرة بعنوان "عيادة 165" من باب تحفيزها من قبل معلمتها. الجميل عند قراءتي للقصة شعرت بأن كاتبتها متمرسة في كتابة القصص منذ زمن ، فالطالبة متقدمة بمراحل وقصتها مشوقة في كل سردها وتفاصيلها وحبكتها ونهايتها. 

 تبادر لذهني أن أسأل المعلمة: كيف تمكنتِ من رعاية هؤلاء الموهوبات؟ فذكرت : من خلال المتابعة داخل المدرسة وخارجها ، وعقد الوِرش والدورات وتطبيقات التواصل الاجتماعي والتحفيز والتكريم المستمر ، حيث أنها خصصت إذاعة يوم الخميس للكشف عن المواهب ، فيتم تكريم الموهوبة – من قبلها – بفيديو فيه بعض إنجازاتها ليتم عرضه في جو صامت يشدّ الانتباه كمفاجأة لها وسط التصفيق الممتزج بالفرح والدموع في ساحة الاصطفاف ، ومنها تتشجّع الموهوبة ويزيد حماس بقية الطالبات لإبراز المواهب أيًّا كانت. 

أما بالنسبة للكتاب الذي بأيدينا "على جناح غيمة" فلقد ذكرت أنه نتاج لمساجلات شعرية وجلسات أدبية، وارتأت المعلمة أن تجمعه لهن - بعد التنقيح والفسح الإعلامي- في كتاب واحد ويُطبع على نفقتها ويُوزع ويُعرض في معارض الكتاب ومكتبات جرير يُحلّقن فيه على جناحِ غيمة ماطرة بالإبداع .

ولقد أضافت المعلمة عفاف قائلة : طالَ الأمد ولكن أُنجِز الوعد والتقيت وطالباتي عبر السطور من مناطق عدة ومن خارج الوطن يجمعنا كتاب ، وقَبلهُ القدر. 

ففضل الله كبير وتوفيقه عظيم ولولا منجزاتنا - وإن كانت بسيطة - لذبلت أرواحنا وتلاشت في مياهٍ تتزاحم فيها المسؤوليات والأعباء ، ولولاها أيضا لبقينا نهيمُ في هذه الدنيا حائرين فارغين .. نعيش في الظّل. 

‏فالإنجازُ بدايةُ الدهشة وروح المغامرة وأول القصص التي نتشاركها.

حقا يا أستاذة عفاف هذا الإيثار يُدرَّس ، وقلّما نجد مثيلا له في الوسط الثقافي أو حقل التعليم . فلقد أجّلت جَمع أعمالها الأدبية ولم تطبعها حتى الانتهاء من رعاية مواهب اليافعات .

ولعلّي أقتطف من مقدمة المعلمة عفاف التي سطرتها بأحرف من ذهب قولها :" ومرّت الأيام ولازالت تلك المعلمة تحتفي بمواهب طالباتِها ما بين شاعرةٍ تُوِّجت بالمركز الأول على المملكة العربية السعودية لعامين متتاليين، وفريقٍ مسرحيّ منافس على المناطِق، وطبيبةٍ روائيةٍ تُصدِرُ عددًا من الروايات بمعرض الكتاب، ومُصورةٍ فوتوغرافيةٍ وطبيبات تشكيليات، ومُنشِدات وباحثات ومدرِّبات، وقائدة للمجال الثقافي ضمن برامج الابتعاث الدولي. كانت ترى أنَّ هذا النجاح هو نجاحٌ لها وأنَّ الأخذ بأيديهن هو أعظم المشاريع، وأنَّ مسؤوليتها تكمن في بناءِ تلك الشخصيات" .

مستشهده بقول ارسطو: "جذور التربيةِ مُرَّة، ولكن ثمارها حُلوة" والموهوبون هم ثروة الأمةِ ومستقبل ازدهارها، يحتاجون إلى المعلِّم المؤثِّر المُجدِّد المبتكِر الذي يُثرِي حصة الدرس بما يفتح الآفاق. ولو أنَّهُ لم يخرج إلا بمهارةِ تعزيزِ الثقةِ في نفوس الطلابِ لفازَ فوزًا عظيمًا. "

أهنئك أستاذة عفاف على رعايتك لهذه المواهب الناشئة ، وشيء جميل حين يرى المشتغل في اللغة العربية وآدابها ثماره أينعت وحان قطافها .

وحين نصل لغلاف الكتاب نجده جميل ومعبر وشيّق وقد صممته بنفسها، وعلى غلافه وضعت بصمة رائعة وهي عبارة عن " توقيع" يحكي بذكاء وقت تحليقها مع الطالبات والذي زامن عُزلة الجائحة فتقول:

وقد يحدث أن نلتقي خلف السطور 

رغم الحواجز والمدائن في زمن العزلة ..

فنعقد النية بأن نكون معًا على ضفاف الحرف ..

وإن لم تجمعنا قصيدة ، فسيجمعنا كتاب ..

وها نحن نحلق "على جناح غيمة"

 

سِرنا إلى الضادِ والأرواحُ تجمعُنا  

من خـلفِ شــاشــاتِ مـرّتْ ليالينا

 

فكم شـدونا بحــرفِ بـات يُسهرنا

وكم تــألقَ صــبحٌ مـن أمـانيــنــا

 

واليــوم عُــدنا بأعراسٍ تزفُّ لنا

على جنــاحِ غيـومٍ أمطرتْ فيـنا

 

أعتقد بأن هذه المعلمة الأديبة الملهمة عفاف الحربي تستحق أن تلتفت لها مؤسساتنا الثقافية والتعليمية بشيء من التكريم لرد الجميل نظير هذا المشروع الثقافي الإبداعي لرعاية المواهب والذي تبنته بعد توفيق الله بمفردها وعلى نفقتها وبجهودها المبذولة.

نسأل الله لها التوفيق في إبداعاتها .