

بقلم- جيلان النهاري
إنه مستكين على سجادته صائمٌ منيبٌ إلى ربه راميٌ الدنيا خلف ظهره متوجهٌ إلى خالقه راجيا عفوه ورحمته، إنها سنين عمره التي ينتظر فيها قدر رحيله عن هذه الدنيا التي كابدها منذ أن سقط رأسه على أرضها وهو بين نعيمها وبين خطوبها، منتشيا فرحا بما آتاه الله من خيره، صابرا جابرا كسور نفسه مؤمنا بقضاء الله وقدره.
إنه على سجادته يخاطب ربه ويناجيه خاشعا وَجِلاً أمام هيبة مقام الجلالة الذي خلقه فصوره فأحسن صورته ونعمه بنعمة الإسلام والصحة والمال والبنين والأمن والحياة الهانئة الهادئة التي قضاها في سنين عمره في سلام، حتى وصل لهذا العمر الذي أجتمعت فيه كل حِكَمِ الدنيا فعرف أنه في حالة مودِّع، وأن ماعاشه كثيرا لم يبقى ليعيشه بنفس العمر الذي ذهب.
إنه على سجادته في ليالي يرجو أن يناله من ربه الخير الكثير من الأجر ويهبه الهِبَة الكبيرة هي العفو.
إنه على سجادته متعبدا يراجع مافات من عمله ويبكي خشوعا وخوفا من حساب يأتيه إن تذكر سيئة أو عمل غير صالح أقترف، ويزيد خشوعا ودموعا إن تذكر حسنة أقامها أو عمل صالح أتاه.
يالها من حال عظيمة هو فيها الآن يُسَلِّمُ نفسه اللوامة بين يدي ربه لتكون مطمئنة إلى رحمته وعفوه عنه، إنه الآن عبد أواب.
إنه صائم على سجادته بلغ من العمر الذي يستطيع فيه أن يحاسب نفسه الأمَّارة بالسوء على كل عمل ندم عليه في عنفوان شبابه وفرح به وبنشوة إنتصاره الآثم فيه، فأخذ يبكي خائفا أن يكون ذلك عائقا في نيل عفو الله عنه.
إنها مشاعر عبد عارف بالدنيا بقدر ما أصاب منها، وبقدر ما أصابت منه، فوجد نفسه في نعمة مَنَّ الله عليه بها في أن أحياه هذا الشهر الكريم ليعمل كل صالح ليكفر به عن نفسه عندما كانت تأمره بالسوء، ولتحيا فيه النفس التي تلومه على مافعل فيتوب وينيب إلى ربه وهو صائما قائما على سجادته راكعا ساجدا جالسا يتشهد تشهده الأخير وكأنه لن يقوم بعدها، وإن قام بعدها يكون في عهد مع الله بأن يحسن بعد ذلك عملا.
هكذا يكون حالنا نحن عباد الله بمختلف أعمارنا عندما نجد أنفسنا في حال هذا العابد الصائم المستكين الجالس على سجادته، فنحن لا نعلم أقدارنا، وكم بقي من أعمارنا فلنسرع ونصلح أحوالنا مع الله العفو الكريم.
رب اغفر وارحم واعف وتكرم وتجاوز عما تعلم إنك تعلم ما لا نعلم إنك أنت الله الأعز الأكرم، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.

