يرحم الله الأخ الصديق عبدالله ناصر الزهراني ومشهد رباطة جأش والده الرجل العصامي المسن حين حضورة على كرسية المتحرك بمقبرة الشهداء بمكة المكرمة
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا " عبدالله " لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ... إنّا لله وإنّا إليهِ رَاجعُون...
الرحمة تغشاك ياعبدالله ياولد ناصر
مثلك وشرواك ياعبدالله نفقد كماه
في الطيب والجود والأخلاق والمرجلة
الله يرحمك يالغالي على والدينه
بدأت بهذه الأبيات على لون الموروث الشعبي المتعارف عليه في الجنوب واصفا بعض من صفات الفقيد انه الأخ الغالي على قلبي وكل من يعز عليه وعلى والديه واخوانه وأبناءه وذويه
وأنا لست بشاعر ولكنها محاولة جاشت بها الخاطرة في وفاة الأخ الأستاذ عبدالله ناصر محمد الزهراني الذي وافته المنية والأجل المحتوم صبيحة يوم السبت ٢٤/٦/١٤٤٥بمكة المكرمة وتمت الصلاة عليه ودفنه بعد صلاة العشاء من نفس اليوم في مقبرة الشهداء بالشرائع فسبحان من خلق فسوى وقدر وهدى الذي يحيى الموتى وإليه يرجع الأمر كله فالحياة تتسارع والإنسان يؤمل فيها الخطى لزيادة الحياة والرزق وهاهو هادم اللذات ومفرق الجمعات يأتي حين غفلة على كل من هو في هذه الحياة الدنيا حياة الفناء فلله الأمر من قبل ومن بعد القائل ..(يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وأدخلي جنتي) فرحماك يارب حينما نوضع في اللحود ويأكل الاجساد الدود ومالنا من شفيع إلا أنت يارب أنت العالم بتقصيرنا وحالنا وما تكنه صدورنا وأنت بنا رحيما أرحم من الوالد بولده فرجاؤنا وأملنا فيما عندك أنت حسبنا وولينا
يا من بدنياه اشتغل وغره طول الأمل
الموت يأتي بغتة
والقبر صندوق العمل
ولما علمت بنبأ وفاته اهتزت له المشاعر لما تربطني به من صداقة وأخوة لاحسب ولانسب ولكنها الأخوة في الله وتواصل فكنت أقابله بعد التقاعد في متجره بالمندق مكتبة النجاح نجلس الساعات مع بعض بالأحاديث الشيقة حول الحياة الإجتماعية ومعايشتنا للواقع الذي نعيشه بكل معاني الود والإحترام ومقارنة بالحياة المعاصرة التي غلبت فيها صداقات قنوات التواصل المختلفة
ونحن مخضرمون مابين ماضي عشناه في كنف الآباء الذين كان لهم الفضل بعد الله في تأمين المأوى ولقمة العيش وتعليمنا ومعاناتهم في تلك الأيام الخوالي
وما أن تم فتح المدارس النظامية حتى علم بها الجميع وتم تشجيعنا من قبل الأباء والأمهات بالالتحاق بها وبعد توفيق الله لنا ومتابعتهم لنا واصلنا تعليمنا حتى حصلنا على شهادة الجامعة وكل شخص ميسر لما خلق له بل أن بعض الأخوة نال درجة الدكتوراة، وأعود
عاش الأستاذ عبدالله ناصر في كنف والده الذي يبلغ من العمر حسبما وصلني حول المائة عام وقد عاش أحداث خلال هذه الفترة وكان والده الشيخ ناصر رجل طلق الوجه محبا للخير بشوشا لديه ذاكرة قوية عاش في مجتمعه مسالما ذو أخلاق عالية ومكارم أخلاق فاضلة صاحب تقوى ودين مربيا لأبناءه النجباء الذين تعلموا العلم وعلموه وبرزوا في مجال أعمالهم التي انيطت إليهم في المؤسسات التعليمية والتربوية وهم كل من الأستاذ عبدالله رحمه الله والأستاذ عبدالرحمن والأستاذ محمد والأستاذ سعد وعملوا بسلك التعليم معلمين ومشرفين وقيادين وما ذلك إلا بتوفيق الله لهم ورعاية والديهم ودعاء الوالدين لهم.
وقد سلكوا في دروب المعالي وطلب الرزق فمن الله عليهم بذلك لما يتمتعون به من خلق وعلم وصلاح ودين وتقوى على نهج والدهم الأمي الذي لم يتعلم ولكنه كان بمثابة جامعة تعلموا في فصولها الدراسية البر والتقوى وحب العمل وكرم الأخلاق فبارك الله فيهم جميعا، فقامو برد الجميل ومنه برهم بوالديهم اللذان ربوهم على طاعة الله أولا وطاعة والديهم ثانيا
فقد عملوا في مختلف مناطق المملكة التعليمية واستقر بهم المقام في مكة المكرمة جميعا حبا في بيت المكان الذي هو مهبط الوحي ومنبع الرسالة على يد نبي الهدى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم
وكان أكبرهم الأخ عبدالله الذي وافته المنية وقد انتهى أجله ولكل أجل كتاب وقد كنت وقت الوفاه متواجداً بمكة وحضرت الصلاة والدفن وأديت سنة العزاء فقد كان والده متواجداً بالمقبرة جالسا على كرسية صابرا محتسبا وقمت عزيته في وفاة أبنه فقد كان حامداً صابرا محتسبا لله
برغم ألم الفقد والأسى يعتصر قلبه وعيناه تذرف الدمع المدرار إلا انه كان مكثرا من قول الحمدلله على فقد ابنه الأكبر وهو خليفته في رعاية إخوته وارشادهم وتوجيههم والحرص على التنافس الشريف فيما ينفعهم جميعا وهم يد واحدة
وهم يتمتعون بحسن المقابلة والأخوة الصادقة تحت كنف والدهم الذي يعيش معهم وهم يقدمون له كلما يريد فقد توفيت أمهم ولمارأوا حاجة أبيهم إلى من يجلس معه ويشرف على راحته وحتى لا يعيش حياة العزوبية أو الاثقال على أحد قامو بتزويجه بعد وفاة والدتهم ويرون ذلك أنه من باب البر به وحبهم له وواجباً عليهم تجاه والدهم الذي يجمعهم ولاسيما انه خالي من الأمراض المزمنة وهو يتمتع بذاكرة قوية أمد الله في عمره
وأعانه وربط على قلبه وألهمه الصبر والسلوان في فقد أبنه وفلذة كبده ولده الأكبر الرجل العصامي والمتفتح ذهنيا وفكريا وعمليا، فرحمه الله وغفر له وأسكنه الجنة هذه خاطرة أحببت كتابتها بدون تكلف ومن واقع الحياة فلله ما أعطى وله ما أخذ وكل شيء عنده بأجل مسمى وختامًا الحمد الله الذي كتب على نفسه البقاء وعلى عباده الفناء القائل
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾
[ آل عمران: 185]
الاحد 25-6-1445هـ
حمدان العماري