الكاتب : النهار
التاريخ: ١٢ نوفمبر-٢٠٢٥       6930

بقلم - د . أحمد بن سعد بن غرم الغامدي 

تخيل هرمًا يقف على رأسه، القاعدة في الهواء، والقمة في الأرض. كل شيء فيه مقلوب، وكل ثقل يتحرك نحو الأسفل بلا سند.

هكذا هي تصوراتنا المقلوبة، التي ننسجها في عقولنا، فنظنها صحيحة، لكنها في الحقيقة ضعيفة الأساس، فكل قرار نتخذه قائم على زاوية خاطئة، وكل تصرف ينبع من وهم، فتصبح النتائج مقلوبة أيضًا، والأثر بعيدًا عن المراد.

وهكذا هي الفهوم والأفكار؛ منها البناء الهرمي السليم الذي يقوم على قاعدة متينة من الإدراك والمعرفة، ومنها المائل والمنقلب الذي ينهار بأول اختبار.

والسبب في ذلك غالبًا هو الجهل بالألفاظ ودلالاتها، وسوء تصور المعاني، وتأثيرات النفس المصاحبة لها من كرهٍ وبغضاءٍ وعداوة، وتنزيلٍ متعجلٍ للأحكام دون رويةٍ ولا إنصاف.

فالكلمة إذا فُهمت على غير وجهها كانت كحجرٍ أُسيءَ وضعه في بناء الفكر، فتصدع الجدار وتهاوى الهرم كله.

لكن هناك دواء واحد: وضوح المعنى واستقامة التعبير وصراحة المقاصد. فالكلمات حين تكون صافية، والأفكار مرتبة، والمقاصد نزيهة، تصبح عمودًا صلبًا يقف على قمة الهرم، فيثبّت العقل والقلب معًا، فلا ينقلب السلوك، ولا تتشوه العلاقات.

كلما أعدنا ترتيب تصوراتنا، أصبحنا قادرين على رؤية العالم كما هو، وفهم الآخرين كما يريدون أن يُفهموا، وتصحيح الأخطاء قبل أن تتحول إلى خصومات.

إن آثار التفكير المقلوب تمتد إلى كل جانب من حياتنا: الأسرة، والعمل، والصداقة، والمجتمع.

إذا تركناه، صار قاعدة لكل التفاعل، فتنشأ الخلافات، وتتكاثر المشاحنات، ويعلو صوت البغض بلا مبرر.

أما إذا صححناه، تحولت الأفكار إلى جسر من التفاهم، والاحترام، والمحبة، تتحرك فوقه العلاقات بسلاسة ورشاقة.

الخلاصة

افهم الآخرين كما يريدون أن تُفهم، لا كما تريد أنت أن تفهمهم.

احمل كلامهم على أحسن ما يُمكن، وأجمله في قلبك قبل لسانك.

وابتعد عن التسرع في الحكم، وابحث عن عذر للزلل، فالعذر يلين القلوب ويزيل العداوات.

عندما نحمل الآخرين بالرحمة، تصحح التصورات المقلوبة، وتنهار الحواجز النفسية التي تمنع المحبة والتواصل، ويعم السلام ما بين الناس.

تمامًا كما يحتاج الهرم إلى قاعدة صلبة ليصمد، تحتاج العلاقات الإنسانية إلى فهم صادق، وعبارات مستقيمة، ونوايا طيبة.

حين نرتب أفكارنا وننير تصوراتنا، نصبح قادرين على بناء مجتمع يسوده الرحمة والتفاهم والمودة، مجتمع يتقدم بعقول صافية وقلوب رحبة، لا بعنف أو سوء ظن أو ظلام داخلي.