النهار

٠٥ نوفمبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٥ نوفمبر-٢٠٢٥       1925

بقلم - سلمان المشلحي

في عامٍ اختارته المملكة ليكون عاماً للحِرَف اليدوية، تتجه الأنظار إلى ما تختزنه المدن من طاقاتٍ إبداعيةٍ وحِرفٍ تقليديةٍ، بوصفها جزءاً أصيلاً من المشهدين الاقتصادي والثقافي الوطنيين، وتبرز حفرالباطن هنا نموذجاً جديراً بالاهتمام، لما تمتلكه من مقوّماتٍ خام لم تُستثمر بعد في بناء صناعةٍ واعدة، يمكن أن تكون رافداً مهماً للاقتصاد الوطني، ومجالاً حيوياً لحفظ الهوية وإحياء التراث.

ومع اقترابنا من ختام عام 2025، عام الحِرَف اليدوية، تتأكد أهمية أن تتحول هذه المناسبة من احتفاءٍ رمزي إلى حراكٍ تنمويٍ مستدام يعيد للحرفة مكانتها، وللصانع تقديره، فحفرالباطن تمتلك ثروةً كبيرة من الماشية المنتجة للصوف، وهي مادةٌ أوليةٌ يمكن أن تُسهم في نهضة الحِرَف النسيجية المتجذّرة في الذاكرة الشعبية، وفي مقدمتها صناعة بيوت الشعر التي ظلّت رمزاً للكرم والاعتزاز، ومعلماً حاضراً في البيوت السعودية بما تحمله من رمزيةٍ تاريخيةٍ واجتماعيةٍ عميقة، تروي قصة المكان والإنسان معاً.

ولا تتوقف الحكاية عند بيوت الشعر، بل تمتد إلى السدو والزوالي وسائر المنسوجات التراثية التي تنقل ملامح الصحراء ودفء البيوت القديمة، وتختزن في نقوشها قصص الأجداد وروح الأصالة، وفي حفرالباطن حرفيون مهرة من الرجال والنساء توارثوا هذه المهنة جيلاً بعد جيل، يحملون مهاراتٍ فنيةٍ دقيقة يمكن أن تنافس أرقى المصانع العالمية بما لديهم من حسٍّ إبداعيٍّ فطريٍّ متقن.

ومع توافر هذه المقوّمات، تبرز الحاجة إلى مبادراتٍ تنمويةٍ حقيقية تُسهم في تحويل هذا الإرث إلى صناعةٍ قائمةٍ تحفظ الحرفة وتورّثها، وتفتح أمام شباب المحافظة آفاقًا جديدةً للعمل والإبداع.

إن إنشاء مركزٍ متخصصٍ للحِرَف اليدوية في حفرالباطن سيكون خطوةً نوعيةً في هذا الاتجاه، ليكون منصةً تجمع الحرفيين، وتعيد صياغة العلاقة بين التراث والاقتصاد، وتحول الشغف بالحرفة إلى قيمةٍ إنتاجيةٍ مستدامة.

فالإبداع في حفرالباطن حاضرٌ ومتأصل، لكنه ينتظر أن يُمنح المساحة الكافية ليُثمر.

والمدن التي تصنع من تراثها اقتصاداً... هي المدن التي تكتب مستقبلها بأيدي أبنائها.