النهار
بقلم - علي المالكي
في المشهد المهيب الذي تحتضنه مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث يجتمع ملايين المسلمين من شتى بقاع الأرض تتجلى صور مدهشة من الإيمان والتنظيم والإخلاص، تتوّجها جهود رجال الأمن الذين يقفون في الميدان كقلوب نابضة بالمسؤولية وعيون لا تعرف النوم، إنهم الجنود الذين لا يُسلَّط الضوء عليهم كثيرًا، لكن بفضلهم تُقام الشعائر بطمأنينة، وتُحاط أقدس بقاع الأرض بسياج من الأمان والرعاية والرحمة.
منظومة متكاملة لخدمة الحرمين
في الحرم المكي الشريف والمسجد النبوي، لا يُترك شيء للمصادفة، كل حركة وكل طريق وكل لحظة دخول وخروج وراءها تخطيط أمني دقيق يشمل آلاف الرجال والقيادات الميدانية من مختلف القطاعات الأمنية، من قوات أمن الحرم إلى المرور والدفاع المدني والهلال الأحمر والجهات الخدمية الأخرى التي تعمل بتناغم مدهش.
يبدأ عمل رجال الأمن منذ اللحظة الأولى لدخول ضيوف الرحمن إلى المشاعر المقدسة، يُنظّمون الحشود في صحن المطاف، ويشرفون على تدفق المصلين في ساحات الحرم ويتابعون مسارات الدخول والخروج في أوقات الذروة بكل احترافية، متعاملين مع الزحام الهائل بحكمة وصبر لا مثيل لهما.
وفي المسجد النبوي الشريف، حيث السكينة تغمر المكان يبذل رجال الأمن جهدًا موازياً في التنظيم والمراقبة والمساعدة، لضمان انسيابية الحركة وحماية المصلين والزوار من أي طارئ، مع توفير الدعم الإنساني لمن يحتاج المساعدة سواء كانوا من كبار السن أو ذوي الإعاقة.
العطاء بلا حدود
وراء الزي العسكري هناك قلوب نابضة بالعطاء، فكم من رجل أمن حمل حاجًا أعيته المشقة أو أسند مسنًا في زحام الطواف أو ساعد طفلًا تاه عن أسرته أو قدّم ماءً لمعتمر أنهكه الحر، هم رجال الأمن الذين يتعاملون مع الناس بلغة الإنسانية قبل النظام، يجمعون بين الحزم حين يتطلب الموقف والرحمة التي تليق بخدمة ضيوف الرحمن.
ولأنهم يعملون في أطهر بقاع الأرض فإنهم يدركون قدسية المكان وعظمة الأمانة فيحرصون على أن تكون تصرفاتهم انعكاسًا لشرف المهمة التي يحملونها على عواتقهم.
تحديات عظيمة وجهود متواصلة
إدارة الحشود في الحرمين ليست مهمة تقليدية، بل علم قائم بذاته، تتداخل فيه الخبرة الأمنية مع التقنيات الحديثة، تُستخدم الكاميرات الذكية وأنظمة المراقبة المركزية والطائرات المسيرة لمتابعة حركة الزوار والمعتمرين على مدار الساعة مما يتيح سرعة التدخل في حال حدوث أي ازدحام أو طارئ.
ورغم قسوة الظروف المناخية وطول ساعات العمل وكثافة الزوار لا ترى منهم إلا ابتسامة صادقة وهدوءًا مطمئنًا، هؤلاء هم رجال الأمن الذين يقفون تحت الشمس وفي المطر وفي كل الأوقات ليبقى الحرم آمنًا مطمئنًا كما أراد الله له أن يكون.
رسالة سامية ورؤية وطنية
ما يقدمه رجال الأمن في الحرمين لا ينفصل عن رؤية المملكة 2030، التي وضعت راحة ضيوف الرحمن وأمنهم في مقدمة أولوياتها، فقد سخّرت الدولة كل إمكانياتها التقنية والبشرية لتطوير الخدمات الأمنية والتنظيمية، لتكون تجربة الحج والعمرة نموذجًا عالميًا في الإدارة الحديثة وروح الخدمة الإسلامية الأصيلة.
رجال الأمن هم الواجهة الإنسانية لهذه الرؤية، يترجمونها على أرض الواقع سلوكًا وموقفًا وتفانيًا، ولذلك، فإن كل حاج ومعتمر يغادر الحرمين يحمل في قلبه ذكرى جميلة لابتسامة رجل أمن أو لمسة مساعدة أو كلمة طيبة تُعبّر عن روح السعودية التي جعلت خدمة ضيوف الرحمن شرفًا لا يُضاهى.
إن رجال الأمن في الحرم المكي الشريف والمسجد النبوي يمثلون نموذجًا فريدًا يجمع بين الوطنية والإيمان، وبين الحزم والرحمة، هم حماة المكان وقدوته وجنود يعملون بصمتٍ لكن أثرهم يسمع صداه كل يوم في قلوب الملايين الذين أدوا مناسكهم بسلام وأمان، فجزى الله رجال الأمن خير الجزاء وأدام على هذا الوطن أمنه وازدهاره وجعل خدمة ضيوف الرحمن في ميزان حسناتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون.