النهار

٣١ اكتوبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ٣١ اكتوبر-٢٠٢٥       6765

بقلم - د. أماني عبدالوهاب

في خطوة جديدة تعكس توجهات الصين نحو تشديد الرقابة على الفضاء الرقمي، دخل قانون تنظيم أنشطة المؤثرين على الإنترنت حيز التنفيذ مطلع أكتوبر 2025، بعد أن أثار نقاشاً واسعاً بين المدونين ومستخدمي المنصات الاجتماعية داخل الصين وخارجها.
وفقًا لتقارير BBC وReuters، يلزم القانون المؤثرين الذين يتحدثون في موضوعات "تتعلق بالمصلحة العامة"، كالصحة، الاقتصاد، التعليم، والسياسة، بالحصول على ترخيص رسمي مسبق، على أن تصدره الجهات المختصة بعد التحقق من مؤهلات الشخص ومدى التزامه بسياسات الدولة. كما يفرض عليهم استخدام الاسم الحقيقي، ويحظر “نشر محتوى يضر بالأمن القومي أو النظام الاجتماعي أو الآداب العامة”.
ومن منظور قانوني، فإن هذا التنظيم يمثل تطبيقاً معاصراً لفكرة الضبط الإداري في الفضاء الرقمي، أي استخدام أدوات القانون الإداري لتنظيم نشاط الأفراد حمايةً للنظام العام بمفاهيمه الثلاثة: الأمن، السكينة، والصحة العامة، إذ ينطلق المشرّع الصيني من فرضية أن منصات التواصل لم تعد مجرد وسيلة تعبير، بل تحوّلت إلى ساحة تأثير اقتصادي وسياسي، تستوجب تدخل الدولة بما يشبه الترخيص المهني، شبيه بالصحافة والإعلام التقليدي.
لكن اللافت في هذا القانون هو توسّع مفهوم المرفق العام ليشمل المنصات الرقمية، بما يعكس توجه الدولة نحو اعتبار “الفضاء السيبراني” جزءًا من البنية التنظيمية الوطنية، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى مشروعية التقييد المسبق لحرية التعبير، في ضوء المعايير الدولية التي تقرّ أن الأصل هو الإباحة، وأن التقييد لا يكون إلا بقدر الضرورة والملاءمة.
وقد أشارت صحيفة South China Morning Post إلى أن الهدف المعلن من القانون هو “تنظيف الفضاء الإلكتروني من التضليل وحماية القيم الاشتراكية”، أما China Daily – الصحيفة الرسمية الناطقة بالإنجليزية – فقد دافعت عن القانون، مشيرة إلى أنه “يهدف إلى تعزيز مصداقية المعلومات على الإنترنت وحماية المستخدمين من الاستغلال التجاري والمحتوى المضلل”.
لكن من وجهة نظر تحليلية، فإن هذا الخطاب الرسمي يتقاطع مع مفهوم الرقابة الإدارية الوقائية، التي تهدف إلى منع الخطر قبل وقوعه، لا إلى معاقبة الفعل بعد ارتكابه، وهي فلسفة أصيلة في الأنظمة السلطوية، حيث تتقدّم فكرة “الأمن المعلوماتي” على مبدأ “حرية النشر”.
لكن في المقابل، انتقد ناشطون على الإنترنت هذا الإجراء باعتباره تقييداً جديداً لحرية التعبير الرقمية، مؤكدين أن تراخيص المحتوى ستؤدي إلى تراجع التنوع في الخطاب العام، خاصة بين صُنّاع المحتوى المستقلين الذين يعتمدون على المنصات كمصدر رئيسي للدخل.
وفي التحليل القانوني المقارن، يُظهر هذا النموذج الصيني اتجاهاً مغايراً للأنظمة الغربية التي تكتفي غالباً بالرقابة اللاحقة من خلال تشريعات مكافحة التضليل أو خطاب الكراهية، بينما يُؤسس التشريع الصيني لمفهوم “الترخيص الرقمي” كأداة ضبط إداري استباقية، فالقانون الصيني هنا يُكرّس مسؤولية إدارية مباشرة للمؤثر، ويحوّله من مجرد مستخدم إلى فاعل خاضع لإشراف الدولة وفق قواعد المرفق العام.
إن خطوة الصين في ربط “التأثير الرقمي” بالـ «مؤهّل مهنيّ» تُعدّ علامة بارزة في مسار تنظيم المحتوى على الإنترنت. إنها تحوّل من “أي شخص يمكنه أن يبدع محتوى ويُصبح مؤثّراً” إلى “من يريد أن يتدخّل في موضوع مهني عليه أن يملك مؤهّلات”. هذا التحوّل يفتح أبواباً كبيرة أمام البحث والمراجعة القانونية، ويطرح تساؤلات حول حدود التعبير الرقمي ومسؤوليات المنصّات والمبدعين. وفي حين تبدو النتيجة مرئية اليوم في الصين، فإنّ الأثر ربما يتجاوز حدودها إلى ساحة النظام الرقمي العالمي - بما في ذلك الشرق الأوسط.