النهار

٣١ اكتوبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ٣١ اكتوبر-٢٠٢٥       5335

بقلم - حذامي محجوب

حين يتحدث وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، فإن كلماته تتجاوز حدود المناسبة لتتحول إلى إعلان عن توجهات المملكة المستقبلية في ميدان الطاقة. ففي كلمته خلال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي عُقد في الرياض تحت عنوان «تعزيز تنافسية الاقتصاد في قطاع الطاقة»، وجّه الأمير رسالة واضحة إلى العالم محذّراً من خطورة غياب مصادر الطاقة المستدامة، معتبراً أن أي اقتصاد لا يملك منظومة طاقة موثوقة محكوم عليه بالانهيار.

هذا التحذير لا يأتي من فراغ، بل من قراءة دقيقة لموازين القوى الجديدة في الاقتصاد العالمي. فالسعودية، التي كانت لعقود مركز الثقل في سوق النفط، تتحول اليوم إلى لاعب استراتيجي يرسم ملامح مرحلة ما بعد الوقود الأحفوري. هي لا تكتفي بتأمين الطاقة للعالم، بل تسعى لتكون رائدة في إنتاجها بأقل التكاليف وبأعلى معايير الجودة، عبر مزيج متكامل يجمع بين النفط والغاز والطاقة المتجددة.

إعلان الوزير عن استعداد المملكة لتجاوز الصين في خفض تكاليف تخزين الطاقة بالبطاريات العام المقبل ليس مجرد تنافس تجاري، بل تعبير عن طموح دولة تضع الابتكار في قلب استراتيجيتها. فالسعودية، التي حققت أرقاماً قياسية عالمية في مشروعات الطاقة الشمسية والرياح، تدخل الآن مرحلة جديدة عنوانها “الريادة في الكفاءة والتكنولوجيا”.

إن ما يجري اليوم في الرياض لا يهم المنطقة فحسب، بل ينعكس على الاقتصاد العالمي بأسره. فنجاح  السعودية  في بناء منظومة طاقة مستدامة يعني استقرار أسواق الطاقة، وضمان أمن الإمدادات، وتخفيف حدة الاضطرابات التي أنهكت اقتصادات العالم خلال السنوات الأخيرة. على المستوى الإقليمي، يشكّل هذا التحول نموذجاً ملهماً لدول الشرق الأوسط التي تبحث عن طريقها نحو التنويع الاقتصادي والتحول البيئي المتوازن.

لقد قدّم الأمير عبدالعزيز بن سلمان من خلال هذا المؤتمر رؤية واضحة: الاستدامة لم تعد خياراً، بل شرطاً لبقاء الاقتصاد. والسعودية، بفضل مشاريعها الكبرى وشركاتها الوطنية الرائدة، تثبت أنها ليست مجرد منتج للطاقة، بل مهندس لمستقبلها.

إنه تحول استراتيجي عميق يعيد تعريف موقع المملكة في النظام الدولي، ويمنحها دوراً قيادياً في صياغة معادلات الطاقة لعقود قادمة. فالمملكة اليوم لا تنتظر المستقبل… بل تصنعه.