النهار

٣١ اكتوبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ٣١ اكتوبر-٢٠٢٥       10560

بقلم ـ محمد الفايز

حين تفقد بعض المنابر الإعلامية قدرتها على ممارسة النقد البنّاء، فإنها تفقد في الوقت ذاته أحد أهم مبررات وجودها. فالإعلام ليس مجرد ناقلٍ للأحداث، بل هو عينٌ يقظةٌ للمجتمع، ووسيطٌ أمينٌ بين المواطن والمسؤول، يعبّر عن هموم الناس ويضعها أمام صانع القرار بصدقٍ ومسؤولية.

إنّ النقد في جوهره ليس خصومةً ولا مواجهة، بل هو فعلٌ وطنيٌّ راقٍ يسهم في تصحيح المسار، وكشف مكامن الخلل، ورفع كفاءة الأداء المؤسسي. فكلّ تجربة إصلاحٍ ناجحة كانت ثمرةَ صوتٍ ناقدٍ شجاعٍ مارس مسؤوليته المهنية بوعيٍ وموضوعية.

وقد عبّر معالي وزير الإعلام الأستاذ سلمان الدوسري عن هذا المفهوم بدقّة حين قال:

 “أحد الأدوار الأصيلة للإعلام هو كشف العيوب، ونحن نشجّع الإعلام على كشفها، فانتقاد الخدمات أو انتقاد أي وزارة هو جزء من واجب الإعلام ويقدّم خدمة للحكومة، ولا نعتبر النقد سلبية، بل هو واجبٌ أصيل على وسائل الإعلام.”

وهو تأكيدٌ واضحٌ على أن النقد بوعيٍ يجسّد أعلى صور المسؤولية المهنية، حين يكون هدفه الإصلاح وخدمة المصلحة العامة.

لكن حين يسود الصمت، أو تُستبدل المهنية بالمجاملة، والأشدُّ مرارةً أن يتحوّل بعض الإعلاميين إلى دفاعٍ مستميتٍ عن الخطأ، وانشغالٍ بـ تلميع الصور بدل معالجة الخلل في الخدمات والمرافق، يتحول الإعلام من سلطةٍ رابعةٍ إلى صدى للرسائل الرسمية، ويفقد المجتمع ثقتهم في المنصات التي وُجدت أصلًا لمعالجة القصور ونقل الصورة الحقيقية.

الإعلام الوطني الحقيقي هو الذي يوازن بين الجرأة والوعي، وبين النقد والإصلاح، فيطرح القضايا دون تهويلٍ أو تلميع، واضعًا المصلحة العامة فوق كل اعتبار. فالوطن بحاجةٍ إلى إعلامٍ يملك التميّز والمسؤولية ليقول: «هنا الخلل»، لا إلى منابر تكتفي بالتصفيق أو الصمت.

إننا اليوم أمام مرحلةٍ تتطلب أن يكون الإعلام شريكًا فاعلًا في بناء الوعي، لا متفرّجًا على الأخطاء. فصوت المجتمع لا يجب أن يُختزل في منشورٍ عابر، بل في مبدأٍ ثابت:

إعلامٌ مسؤول، ونقدٌ بنّاء، ووطنٌ يسمو بالصدق قبل الكلمات، بفضل الله ثم بفضل قيادتنا الرشيدة.