بقلم ـ حسن القبيسي
من بطل دوّى اسمه في سماء كأس العالم 2022 بعد هدفه الخالد في شباك الأرجنتين، إلى لاعب باهت يختفي أمام إندونيسيا.
هذا هو التحول المأساوي الذي يعيشه سالم الدوسري، قائد المنتخب السعودي ونجم الهلال، في واحدة من أكثر القصص الكروية قسوة في السنوات الأخيرة.
اللاعب الذي كان رمزاً للجرأة والإبداع، أصبح اليوم مادة للجدل، وهدفاً لانتقادات لا تنتهي.
فما الذي حدث؟ وكيف انتهى “التورنيدو” إلى هذه الحالة من الانطفاء؟
الجواب، ببساطة، يكمن في كارثة إيطالية مزدوجة، عنوانها مدربان حملا معهُما فلسفة خنقت موهبة سالم: روبرتو مانشيني مع المنتخب، وسيموني إنزاغي مع الهلال.
حين تسلّم مانشيني قيادة المنتخب السعودي، كان سالم في قمة عطائه، ناضجاً فنياً، ومفعماً بالثقة.
لكن المدرب الإيطالي جاء بفلسفة دفاعية جامدة، تُقيّد اللاعبين المبدعين وتخنق حرية الأجنحة.
حوّل مانشيني سالم من جناح حرّ يملك صلاحية الإبداع والتسديد، إلى لاعب مكبّل بالأدوار الدفاعية، مطالب بالعودة المستمرة ومساندة الأظهرة.
وهكذا، خسر “الأخضر” أحد أهم أسلحته الهجومية.
الأرقام لا تكذب: هدفان فقط وصناعة واحدة في 16 مباراة تحت قيادة مانشيني.
إنها ليست أرقام نجم آسيا، بل ضحية نظام تكتيكي أطفأ شرارة الإبداع.
لقد جرد مانشيني سالم من هويته الفنية، وأطفأ تلك الشعلة التي كانت تميّزه.
وما بدأه مانشيني، أكمله سيموني إنزاغي مع الهلال ولكن على طريقته الخاصة.
بوصول النجم الفرنسي ثيو هرنانديز، منح إنزاغي الحرية الكاملة للظهير الجديد في التقدم الهجومي، ما أجبر سالم على التراجع إلى الداخل أو أداء أدوار تكتيكية لا تناسب طبيعته.
لقد وجد الدوسري نفسه مجدداً في سجن تكتيكي جديد، لا يُتيح له المساحات التي اعتادها على الرواق الأيسر، تماماً كما حدث عندما لعب إلى جانب نيمار سابقاً.
وهكذا، اختفى تأثيره تدريجياً، وفقد حسّه التهديفي وثقته بنفسه.
ما حدث في مباراة السعودية أمام إندونيسيا لم يكن مجرد “يوم سيئ”، بل كان النتيجة الطبيعية لعام كامل من التقييد والضغط.
فقدنا اللاعب الذي كان يقتحم المناطق بثقة، ويصنع الفارق في لحظة، ورأينا بدلاً منه لاعباً مرتبكاً، متردداً، يهرب من المسؤولية.
لقد تحوّل سالم الدوسري من رمز للشخصية القوية في المنتخب، إلى ظلّ باهت لنفسه.
والأمر لا يتعلق بالعمر أو الإرهاق، بل بفقدان الهوية.
هل يمكن إنقاذ ما تبقّى من التورنيدو؟
ما حدث لسالم ليس تراجعاً طبيعياً في المستوى، بل اغتيال تدريجي لموهبة استثنائية. مدربان إيطاليان، بفلسفتين مختلفتين، لكن بنتيجة واحدة: تجريد اللاعب من جوهره الإبداعي.
ربما يحتاج سالم اليوم إلى ما هو أبعد من “تحفيز” أو “راحة”، يحتاج إلى استعادة نفسه.
إلى من يعيد إليه حريته داخل الملعب، ويمنحه الثقة ليعود ذاك اللاعب الذي جعل العالم يصفّق لتمريرة، ولمسة، وتسديدة من قدمه اليمنى.
الكرة السعودية والعربية لا تستحق خسارة لاعب بحجم سالم الدوسري بهذه الطريقة.