الكاتب : النهار السعودية
التاريخ: ١٠ اكتوبر-٢٠٢٥       8690

بقلم - د . أحمد بن سعد بن غرم الغامدي

هو مفكر بلا تفكير، أو بتفكير سامٍّ مغشوش، إنه ذكيٌّ لكنه ليس بزكيٍّ، ولا نقيٍّ، ولا بهيٍّ. لديه أخلاط من الأفكار المتطرفة المارقة يوشي بها إليه أولئك الذين يرعونه من أعداء الهوية والوطن، يمدّونه بالسمّ في جرعات فكرية متلونة، فينطق بها كأنها من بنات أفكاره، وهي في حقيقتها رجعُ صدى لمكرٍ خفيٍّ يُدار من وراء الأفق. تراه يرى كل قبيح عند الآخرين حسنًا، وكل حسنٍ في هويته ووطنه قبيحًا، يقلب القيم رأسًا على عقب، فيحسِّن الشرَّ ويقبِّح الخير، ويزيّن النقائص وينتقص الكمالات، حتى صار مرآة مقلوبة يرى فيها كل شيء مقلوبًا. هو مريض النفس، سقيم الروح، حاقد الحس، يتطاير من ذاته البائسة دخان الكراهية والغرور والضياع. هواه وهويته لا شرقية نقية ولا غربية راقية، بل خليط مسموم من نزعاتٍ متضاربة، لا يجمعها إلا البعد عن الوسطية والاعتدال. تراه مستفزًّا للقيم، محاربًا للجمال المجتمعي الرزين، ساخرًا من العفاف والحشمة والفضيلة، نابذًا لرموزها وعلمائها، متباهيًا بانحرافه، متشدقًا بأسماء الفلاسفة الوجوديين والعدميين والمتصهينين، يرفع رايات الفكر المتحلل، ويطعن في الفكر المؤصل. هو شهوانيٌّ متعيٌّ دنيويٌّ ماديٌّ انتهازيٌّ بطبعه، لا يطلب إلا اللذة ولا يسعى إلا للربح، يرى في القيم قيودًا وفي الدين حجرًا، وفي الوطن عبئًا. هو ومن شاكله سربٌ من الغربان، يغردون خارج السرب، لا لفرط عبقريتهم بل لعمى بصيرتهم، ينعقون في الفضاء الثقافي بكل نكرٍ وهجرٍ، لا يورثون إلا ضجيجًا، ولا يتركون إلا أثرًا من الرماد. قد بلغ بعضهم الثمانين وما زال في غروره الأول، لا نفع قدّم، ولا نافع ترك ليتقدّم. متفلتٌ من كل فكرةٍ جميلة، منغمسٌ في كل قبيحة، يخوض في الوحل والطين ويسعى أن نكون معه من الخائضين. لا يهنأ إلا إذا أفسد، ولا يسكن إلا إذا شوّش، ولا يفرح إلا إذا انطفأ نورٌ من حوله. فمتى يرتاح ونسترح؟ متى يفيق من سكراته الفكرية، ويكفّ عن تسميم الوعي الجمعيّ بمقالاته وخطاباته وادعاءاته؟ إن “المفكر الغاش” هو أخطر صور الخداع المعاصر، لأنه لا يحمل سيفًا، بل يحمل قلمًا، ولا يرفع راية العداء جهارًا، بل يتسلل في ثياب الفكر والحرية. هو صوتٌ منكرٌ يُلبس الباطل لبوس الحكمة، ويُفسد العقول تحت عنوان الإصلاح. لقد آن للمجتمع أن يعرفه على حقيقته، لا مفكرًا حرًّا، بل تابعًا مغشوش الفكر، مأسور الهوى، أسير أعداء الهوية. وآن لنا أن نحمي وعينا من هذا الصنف، ونُعيد للفكر صفاءه، وللهوية بهاءها، وللأوطان أمانها. فيا أيها المفكر الغاش، حسبك ما غششت ولبّست وأفسدت، فلن يطول زمانك في زمنٍ بدأ فيه الناس يميزون بين النور والدخان، وبين المفكر الصادق والمفكر الغاش.