الكاتب :
التاريخ: ٠٧ اكتوبر-٢٠٢٥       6765

بقلم - حذامي محجوب
في كل عام، في الخامس من أكتوبر، تُقام الاحتفالات، وتُلقى الخُطب، وتُقدَّم الزهور للمعلمين في مشهدٍ يتكرّر بتفاصيله ذاتها.
غير أن هذا اليوم، الذي يُفترض أن يكون رمزًا للاعتراف والامتنان، تحوّل في كثير من الأحيان إلى احتفالٍ بروتوكولي عابر، يذبل كما تذبل الزهور مع المساء، لأن جوهر التكريم ظلّ غائبًا.

لقد أصبحنا أمام مظاهر احتفال أكثر من مضمون تقدير، وواقعٍ يُحرجنا حين نسأل أنفسنا بصدق: ماذا قدّمنا فعلًا للمعلم؟
الجواب مؤلم، لأن المؤسسات التي تتفنن في عروضها الموسمية على البضائع كالقهوة والملابس والرحلات ….لم تتذكر المعلّم حتى بخصم رمزي أو كوب تقدير، وكأن من علّم أبناءها الحروف الأولى لا يستحق حتى رشفة وفاء.

لكن ما قامت به الإدارة العامة للتعليم بمحافظة الطائف هذا العام كسر هذا النمط المتكرر، وقدّم نموذجًا راقيًا للاحتفاء الحقيقي بالمعلم.
ففي إطار الاحتفال باليوم العالمي للمعلم، وبالتعاون مع أمانة الطائف، أطلقت الإدارة حملة مميزة تحت شعار “إعادة صياغة التدريس كمهنة تعاونية”، جسّدت من خلالها معنى التقدير العملي لا اللفظي.
فقد تم بثّ رسائل التهنئة على الشاشات الإلكترونية المنتشرة في شوارع وميادين الطائف، وتفعيل وسائط التواصل الاجتماعي لتقديم الشكر للمعلمين والمعلمات على جهودهم في نقل الرسالة التعليمية للأجيال.

وأكد الدكتور سعيد بن عبدالله الغامدي، المدير العام للتعليم في الطائف، أن هذا الاحتفاء يأتي انطلاقًا من إيمان الإدارة برسالة المعلم السامية ودوره المحوري في بناء الأجيال وتحقيق النهضة التعليمية في إطار رؤية 2030، مشيرًا إلى أن تكريم المعلم هو تكريم للوطن ذاته، لأنه أساس التنمية ومحرّك المستقبل.

إن مبادرة الطائف تستحق التقدير والإشادة، لأنها لم تكتفِ بالكلمات بل تجسّدت على أرض الواقع، وقدّمت نموذجًا يُعيد للمعلم مكانته في الوجدان العام.
وهي تجربة جديرة بأن تُعمَّم في الوطن العربي، ليصبح الوفاء للمعلم ثقافة راسخة لا حدثًا عابرًا.

لقد آن الأوان لأن يتحوّل يوم المعلم من احتفالٍ شكلي إلى مشروع مستمر يعيد الاعتبار للمهنة النبيلة، ويمنح أصحابها مكانة تليق بعطائهم.
فالمعلم لا ينتظر وردة تذبل، بل تقديرًا يبقى، ومبادرة الطائف هي الخطوة الأولى في هذا الطريق لان المعلم ليس مجرد مَن يُدرّس، بل من يُنير الطريق حين يعتم الفكر، ويزرع بذور الوعي في تربةٍ عطشى للمعرفة.
هو صوت الضمير في زمن الضجيج، ونبض الحكمة في عالمٍ يسابق السرعة وينسى الإنسان.

وإنّ كل مجتمعٍ يعرف كيف يكرّم معلّمه، هو مجتمعٌ يعرف كيف يصنع تاريخه ومستقبله بكرامةٍ ووعي.

حين تذبل الزهور… يبقى المعلم وحده،
لكن حين تُزهر المبادرات الصادقة، يُزهر معها المستقبل.