الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٣ اكتوبر-٢٠٢٥       7700

 

بقلم ـ حذامي محجوب 

لم تكن الفنون في المملكة العربية السعودية على امتداد عقود سوى مساحات صامتة محاطة بالتحفظ والجدل، حيث ظلت الموسيقى والسينما والمسرح والفنون التشكيلية رهينة قيود اجتماعية وثقافية متأثرة بتباين الفتاوى والمواقف الدينية.

 لكن مشهد المملكة اليوم مختلف تماماً؛ فقد تحولت تلك المساحات المغلقة إلى فضاءات رحبة، تنبض بالإبداع، وتشهد انطلاقة غير مسبوقة تعكس عمق رؤية القيادة السعودية التي وضعت الثقافة في قلب مشروعها التنموي، انطلاقاً من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي جعل من رؤية السعودية 2030 خارطة طريق لإعادة تشكيل المجتمع وبناء مستقبله على أسس حديثة ومتنوعة.

هذا التحول لم يأتِ فجأة، بل كان ثمرة خطوات مدروسة: تأسيس هيئات متخصصة مثل هيئة الثقافة وهيئة الترفيه، إطلاق مواسم ومهرجانات كبرى كسوق عكاظ وموسم الرياض وموسم جدة، وتنظيم معارض للفنون التشكيلية والتصوير، بما أتاح للمبدعين السعوديين فرصة للظهور والتألق.

 ومع عام 2020، جاء تأسيس وزارة الثقافة ليجعل الثقافة ركناً استراتيجياً لا غنى عنه في معادلة التنمية والاقتصاد، وأداة أساسية لتكريس الحضور السعودي في المشهد الثقافي العالمي.

وفي هذا السياق، جاء الإعلان الذي أطلقه، هذا الأسبوع ، وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، خلال مؤتمر الاستثمار، عن تأسيس  جامعة الرياض  للفنون كأول جامعة متخصصة من نوعها في المملكة. 

هذا الحدث ليس مجرد إضافة أكاديمية، بل هو منعطف استراتيجي يعكس طموح المملكة في بناء بنية تحتية ثقافية مستدامة قادرة على صناعة القوة الناعمة، وإعداد جيل جديد من المبدعين القادرين على قيادة المستقبل.

الجامعة لن تقتصر على تدريس الفنون الأدائية والموسيقى والسينما والمسرح، بل ستتوسع لتضم أكثر من ثلاث عشرة كلية تغطي مجالات التصميم والأزياء والعمارة وفنون الطهي والدراسات التراثية والإدارة الثقافية.

وبذلك، ستتحول إلى مختبر ضخم للإبداع، وجسر يصل بين الهوية المحلية والآفاق العالمية، بين الأصالة والتجديد.

الأهمية لا تكمن في بعدها الأكاديمي فحسب، بل أيضاً في بعدها الاقتصادي؛ فوفق التقديرات، فإن مساهمة القطاع الثقافي في الاقتصاد الوطني ستتجاوز 80 مليار ريال بحلول 2030، وهو ما يجعل الجامعة منصة لتأهيل آلاف الخريجين، ومحركاً لاقتصاد إبداعي متجدد يرسخ الاستدامة ويخلق فرصاً واسعة.

إن ما يميز  جامعة الرياض  للفنون هو أنها ليست مبادرة تعليمية عابرة، بل إعلان صريح بأن المملكة تسير بخطى واثقة نحو صياغة مشروع ثقافي عالمي، يستند إلى رؤية عميقة تجعل الثقافة شريكاً أساسياً في التنمية، ووسيلة للدبلوماسية الناعمة، وأفقاً جديداً للحوار الحضاري مع العالم.

إنها رسالة سعودية تقول: المستقبل لا يُبنى فقط بالاقتصاد والسياسة، بل أيضاً بالإبداع والفن والفكر.  جامعة الرياض  للفنون هي هذا الجسر الجديد، الذي سيحمل المملكة من حدود التقاليد إلى فضاءات العالمية، ويكرّس حضورها الثقافي كقوة مؤثرة في المشهد الدولي.