الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٦:١٤ م-٣٠ أغسطس-٢٠٢٥       8360

بقلم: فوز الرحيلي
منذ أن نشأنا على متابعة الرياضة السعودية، لم نعرف مشهداً بهذا القدر من التعصب، ولا هذا الكم من الفوضى التي تمتد من الملاعب والمدرجات إلى المنابر الإعلامية.

لطالما كانت المنافسة بين أنديتنا شريفة مهما احتدمت، وكان الإعلام الرياضي شريكاً في البناء وداعماً للروح الرياضية، لكن ما نشهده اليوم يبعث على القلق، اتهامات متبادلة بلا ضوابط، خطاب يفتقد المهنية والمسؤولية، واخبار إعلامية مضللة لاتستند على مصدر موثوق وفوضى تنظيمية تصدر عنها قرارات مرتبكة تزيد المشهد تعقيداً.

الأمر لم يعد مجرد أخطاء عابرة أو مواقف فردية، بل تحوّل إلى ظاهرة تهدد قيم الرياضة نفسها، لجان يفترض بها أن تكون حَكماً عادلاً صارت مثار جدل بسبب قرارات غير متوازنة، ومعايير متناقضة خلقت شعوراً عاماً بانعدام العدالة.

الإعلام الرياضي، الذي كان يجب أن يواكب التطور الرياضي باحترافية، أصبح في بعض برامجة منصات للتحريض والتعصب، يُدار بلا رقيب ولا حسيب، ويغذي الاحتقان بين الجماهير بدل أن يطفئه.

الوقوف موقف المتفرج على ما يحدث سيزيد النار اشتعالاً، وقد يقود إلى ما لا تُحمد عقباه، نحن لا نتحدث عن منافسات محلية فحسب، بل عن صورة وطن يُبنى له مشروع رياضي ضخم، ويتأهب لاستضافة كأس العالم بعد تسع سنوات.

العالم الذي سيأتي إلينا لن يقيّمنا فقط على جمال الملاعب وروعة التنظيم اللوجستي، بل سينظر إلى نزاهة المنافسات ورقي الخطاب الإعلامي، ومدى قدرتنا على إدارة خلافاتنا بمهنية ومسؤولية.

وهنا تبرز الأسئلة المصيرية: "هل هذا الإعلام الرياضي قادر على مرافقة مشروع وطني بهذا الحجم؟ هل سنرى تغييراً جذرياً في طريقة إدارة الرياضة والإعلام؟ وهل ستتم مراجعة الوضع القائم بشجاعة ومسؤولية قبل أن تتسع الفجوة بين الطموح والواقع؟". 

الإجابة لن تأتي بالتصريحات ولا بالشعارات، بل بإصلاح حقيقي وعميق، المطلوب إعادة هيكلة كاملة لسياسات الإعلام الرياضي، ووضع ميثاق شرف إعلامي صارم يطبق بحزم على الجميع، وإنشاء لجان رقابية مستقلة تراقب الخطاب الإعلامي وتحاسب من يتجاوز. 

المطلوب أيضاً إصلاح آلية اتخاذ القرار في اللجان الرياضية، وضمان الشفافية والعدالة في كل ما يصدر عنها، حتى لا يفقد الجمهور الثقة في نزاهة المنافسات.

لقد أثبت التاريخ أن الأمم التي نجحت في استضافة الأحداث الرياضية الكبرى لم تحقق ذلك بالصدفة، بل عبر بناء بيئة رياضية متكاملة، عادلة، ومحترفة.

أمامنا تسع سنوات هي فرصة ذهبية لإحداث نقلة نوعية حقيقية، لا في البنية التحتية فقط، بل في قيم المنافسة وأخلاقيات الإعلام.

إذا استثمرنا هذه الفرصة بوعي وشجاعة، يمكن أن نصل إلى مونديال يليق بالمملكة وطموحها، ويعكس للعالم صورة حضارية متكاملة.

التحدي كبير لكن الفرصة أعظم. المستقبل لن يُصنع إلا بقرارات جريئة وإصلاحات جذرية تعيد للرياضة السعودية هيبتها وعدالتها، وتمنح إعلامنا الرياضي القدرة على أن يكون مرآة مشرّفة لهذا الوطن، لا عبئاً عليه، وإذا أردنا النجاح، فعلينا أن نبدأ اليوم، لا أن ننتظر حتى يحكم علينا الآخرون في الغد.

Fawz_r7